حسن المعاشرة

أما الجانب الثاني: هو حسن معاشرته صلى الله عليه وسلم لأزواجه.

بعض الرجال قد يوفق لامرأة يحبها لكنه يكون سيئ الخلق جاف الطبع، فتجد أنه يسيء إليها ويسبها، ويظلمها، وربما يطلقها في ساعة غضب ثم تضيق عليه الأرض بما رحبت لأنه يحبها، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين محبته لزوجاته عليه الصلاة والسلام وحسن العشرة، وانظر إلى هذه النماذج من حسن العشرة.

في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: {كنت ألعب بالبنات} أي: تضع لها لعباً من البنات بيدها وهي لعبة بدائية بسيطة وليست كاللعبة الموجودة اليوم وبها تقاسيم وصور، كأنها حقيقية، بل ربما تكون أجمل أحيانا من الصورة الحقيقية، صور بدائية بسيطة تصنعها بيدها فتقول: {ومعي بعض النسوة وبعض الفتيات الصغيرات، فإذا دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجن فإذا خرج دخلن} فتيات صغيرات يخجلن من الرسول صلى الله عليه وسلم فإذا دخل البيت خرجن وإذا خرج من البيت دخلن، يلعبن مع عائشة بالبنات.

وأعجب من ذلك الرواية التي رواها أبو داود عنها وهي عجب من العجب بعدما قدم الرسول صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك تقول عائشة رضي الله عنها: {كنت قد وضعت بناتي، التي كنت ألعب بهن في كوة، أي نافذة في الجدار وعليها الستار فجاءت الريح فحركت الستر فرأى النبي صلى الله عليه وسلم البنات فقال: ما هؤلاء البنات يا عائشة؟ قلت: هؤلاء بناتي، ثم وجد بينهن فرس أيضاً مصنوعة بنفس الطريقة -طريقة بدائية بسيطة وموضوع لهذا الفرس أجنحة من رقاع- فقال: ما هذه الفرس! فرس له أجنحة؟! فقالت عائشة رضي الله عنها: أما سمعت أن لسليمان عليه السلام فرساً لها أجنحة، قالت: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم} وأنتم تعلمون أنه عقد عليها عليه الصلاة والسلام وعمرها ست سنين ودخل بها وعمرها تسع سنين وهذا هو الصحيح.

فلذلك كانت تعمل هذه الأشياء التي تتناسب مع سنها رضي الله عنها وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يراعي ذلك فيعاملها بهذه المعاملة كما سمعتم، ولذلك قالت هي أيضاً كما في الصحيح لما ذكرت نظرها إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد، وأنها وضعت خدها على خد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسترها من الناس وهي تنظر إليهم يلعبون حتى ملت، فلم يضيق عليها رسول الله صلى لله عليه وسلم أو يقول يكفي، تركها على رسلها حتى إذا اكتفت من النظر إليهم أومأت، قال اكتفيت قالت نعم، فانصرفت رضي الله عنها، فكانت تقول فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن، أي أن الرسول عليه والصلاة والسلام كان يعاملها بهذه المعاملة لحداثة سنها، ولا شك أن المرأة حين تكبر لا تقوم بمثل هذه الأعمال أصلاً لا عائشة رضي الله عنها ولا غيرها من أزواجه.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرعى الجانب الواقعي في شأن المرأة، يروي النسائي في سننه عن أنس: {أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بيت عائشة، وكان عنده بعض الضيوف فأرسلت إحدى أزواجه -وهي أم سلمة - بطعام في صحفة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رأت عائشة الطعام في الصحفة يأتي إلى بيتها غارت وغضبت وجاءت بفهر -وهو الصخرة أو الحصاة بقدر اليد- فضربت هذه الصحفة حتى وقعت وانكسرت، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: غارت أمكم، ثم أخذ الصحفة وأضاف الكسرتين إلى بعضها ووضع عليهما الطعام وقال: كلوا فأكل الضيوف، ثم جاء الطعام بعد ذلك فرد النبي صلى الله عليه وسلم الصحفة السليمة إلى أم سلمة التي أرسلت بالطعام، وجعل الصحفة المنكسرة لـ عائشة رضي الله عنها وقال طعام بطعام وإناء بإناء} والمقصود هاهنا أن الرسول عليه الصلاة والسلام يتحمل ما قد يصدر من المرأة بحكم طبيعتها، فالغيرة أمر طبيعي عند المرأة، ولا يمكن أن يُتجاهل، والإنسان حين يتعامل مع المرأة، يجب أن يدرك ويقدر الفطرة والطبيعة التي فطرها الله تبارك وتعالى عليها؛ لئلا يقع فيما حذر منه النبي عليه الصلاة والسلام حين قال في الحديث الصحيح: {إن المرأة خلقت من ضلع أعوج، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرتها، وكسرها طلاقها} .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015