الجانب الثاني: هو جانب الاهتمام والرعاية: فأنتم تجدون أن بعض الناس -أحياناً- قد يحب أولاده، ويعطف عليهم، لكنه لا يهتم بهم ولا يربيهم، ولا يحرص على جلب المصالح لهم، ولا على دفع المفاسد والمضار، والمساوئ عنهم، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان هو المثل الأعلى في جميع ذلك.
انظر إلى موقفه صلى الله عليه وسلم، مع ابنته زينب، التي سبق أنها كانت مع أبي العاص بن الربيع بن عبد شمس، وكان كافراً مشركاً في مكة، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم، كانت زينب عند أبي العاص في مكة، ولما وقعت غزوة بدرٍ وأسر المسلمون من أسروا من المشركين كانوا يطلبون منهم الفداء، وكان من ضمن الأسرى، أبو العاص، زوج زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطلب منه المسلمون الفداء، كما يطلبون من غيره من الأسرى، فأرسلت زينب -زوجه بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم- من مكة بقلادة لتكون فداءً لزوجها، وكانت هذه القلادة لها تاريخ مؤثر في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتثير هذه القلادة ذكرى في نفسه عليه الصلاة والسلام ليست بالهينة، فكانت هذه القلادة لـ خديجة رضي الله عنها، المرأة التي كان لها أبلغ الأثر في حياة النبي عليه الصلاة والسلام، وقد وضعت خديجة هذه القلادة في عنق زينب حين أهدتها وأدخلتها على أبي العاص، فلما رآها النبي صلى الله عليه وسلم، لعله تذكر خديجة وما كان من شأنها، ورقَّ لبنته رقةً شديدة حتى بكى صلى الله عليه وسلم وقال للمسلمين: {إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها فافعلوا} لا يأمرهم أمراً، إنما يلتمس منهم التماساً، فقال المسلمون: نعم، فأطلقه النبي صلى الله عليه وسلم، ورد القلادة إلى زينب واشترط على أبي العاص مقابل إطلاقه بلا مقابل أن يرد زينب إلى المسلمين ويرسلها إلى المدينة، فلما وصل أبو العاص إلى مكة، بعث بـ زينب إلى المدينة فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ورجلاً معه وأمرهما أن يستقبلاها ويحملاها إلى المدينة، والحديث رواه أبو داود في سننه.
فانظر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، لم يقتصر على حب زينب والعطف عليها، بل كان حريصاً على إيصال الخير إليها بكل وسيلة، ودفع الشر عنها بكل وسيلة، حتى لتدمع عيناه ويرق رقةً شديدة حين يرى هذا المنظر، ويرى القلادة قد بعثت من قِبَلِ زينب لتكون فداءً لـ أبي العاص.