حصل لـ أبي العاص قصةٌ أخرى تشبه هذه ذكرها أهل السير كـ ابن إسحاق وغيره، ذكروا أن أبا العاص بعثت معه قريشٌ بأموال وبضائع إلى الشام، وكان أبو العاص يتعاطى التجارة، فلما قفل أبو العاص من الشام صادف أن كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد بعث سرية بأمه زيد بن حارثة، وهي تسمى سرية العيص، فأخذوا ما جاء به أبو العاص من الأموال والبضائع، وأفلت منهم أبو العاص وهرب إلى المدينة وكان مشركاً آنذاك، وهذه السرية قيل إنها بعد خيبر أخذ المسلمون أمواله أما هو فأفلت منهم وجاء مسرعاً إلى المدينة، ودخل على زينب رضي الله عنها دون أن يعلم الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك، وأخبر زينب زوجته بالخبر، فلما كبَّر النبي صلى الله عليه وسلم لصلاة الفجر، وكبر المسلمون صاحت زينب بأعلى صوتها لتسمع المسلمين وقالت: [[ألا إني قد أجرت أبا العاص]] فلما سلم النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: {أسمعتم ما سمعت} قالوا: نعم، فقال: {والله ما كان لي علمٌ بشيءٍ من ذلك حتى سمعتُ ما سمعت} .
أي: أنه صلى الله عليه وسلم لم يعلم بمقدم أبي العاص، ولا بأن زينب كانت تريد أن تجيره، ولكن يجير على المسلمين أدناهم، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم، فقبلوا جوار زينب له، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم لها -كما تقول هذه الرواية- وهي روايةٌ فيما يظهر أنها مرسلة رواها ابن إسحاق عن أبي بكر بن حزم؛ قال لها صلى الله عليه وسلم: {أحسني إليه، ولا يخلص إليك، فإنك لا تحلين له} لأنه مشرك، وهي مسلمة.
فلما رأى المسلمون ذلك أجاروه وقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم -كما في هذه الرواية- {إن أبا العاص منَّا حيث قد علمتم، وذكر سابق إحسانه، فإن رأيتم أن تردوا إليه ماله} فرد المسلمون جميع ما بأيديهم حتى القليل القليل من الخيط أو غيره، استجابة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ أبو العاص هذه الأموال جميعها، وذهب بها إلى أهل مكة، وسلمهم أموالهم، وردَّ إلى كل واحدٍ منهم ماله وربحه، فلما انتهى قال: [[أبقي لأحدٍ منكم شيء؟ قالوا: لا، وقد أحسنت إلينا فجزاك الله عنا خيراً، فقال: أما إني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، ولكنني لم أسلم في المدينة، خشية أن تظنوا أني أسلمت طمعاً في أمواله، أو أني أخذت شيئاً من أمواله، أما وقد وصلت إليكم أموالكم، فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله]] .
ثم هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا نموذج من عنايته صلى الله عليه وسلم ببناته.