أما النقطة الثانية في هذا الموضوع، فهي: سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم مع بناته، أو المرأة في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام باعتبارها بنتاً: وقد ولد للرسول صلى الله عليه وسلم أربع بنات، هن: زينب ورقية وفاطمة وأم كلثوم، وقد بقيت فاطمة وحدها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أشهراً ثم قبضت كما في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها، {أن فاطمة دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فسارَّها بشيءٍ فبكت ثم سارها بشيء فضحكت، قالت: فسألتها بعد فقالت: أخبرني أنه يموت صلى الله عليه وسلم في مرضه هذا فبكيت، ثم أخبرني أنني أول من يلحق به من أهله فضحكت} نعم ضحكت فرحاً بلقاء محمد صلى الله عليه وسلم، بعد أن أحزنها فراقه ستة أشهر، فحين أخبرها أنها أول من يلحق به، ضحكت، وفي رواية أخرى أنه أخبرها أنها سيدة نساء العالمين، أو سيدة نساء أهل الجنة فضحكت، وكلاهما في الصحيح.
أما بقية بناته صلى الله عليه وسلم فقد متن في حياته عليه الصلاة والسلام، وذاق النبي صلى الله عليه وسلم الحزن لفقدهن، وكيف لا يحزن صلى الله عليه وسلم، وهو صاحب القلب الحنون العطوف، الممتلئ بالحب لأولاده، الممتلئ بالرحمة لهم ولغيرهم من المؤمنين، بل وللدواب وغيرها! وقد ثبت في الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام، ذهب إلى أبي سيف القين، وكان عنده ابنه إبراهيم، وكان يجود بنفسه، فحمله النبي صلى الله عليه وسلم، ثم فاضت روحه الطاهرة، فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان معه رجالٌ من المؤمنين منهم عبد الرحمن بن عوف، فقال: تفعل هذا وأنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: {يحزن القلب، وتدمع العين، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون} .
نعم كان صلى الله عليه وسلم يحزن لفراق أولاده وموتهم، ومع ذلك فقد ذاق آلام فراقهم جميعاً إلا فاطمة رضي الله عنها، وهذه حكمة لله تبارك وتعالى، وللمؤمنين به في ذلك ومن يفقدون أولادهم أو أحداً من أولادهم خير أسوةٍ وقدوة، وفي ما يتعلق بمعاملته صلى الله عليه وسلم لهؤلاء البنات، أشير إلى ثلاثة جوانب: