المآخذ على كتاب الخطيب

أما ما أخذ على الكتاب: فالحقيقة أن الإنسان -لا أكتمكم- أنني أتعجب حينما نجد مثل هؤلاء العلماء الأجلاء الفضلاء الأكابر حقاً، ثم تجد في بعض ما ذكروه وساقوه أموراً تستكثر من مثلهم، أقل ما يقال فيها، أنها تستكثر من مثلهم، ففي بعض النكت التي ذكرها عن الطفيليين، جعلوا القرآن الكريم لغير ما أنزله الله عز وجل يقول: جاء الحسن بن الصباح إلى جعفر بن محمد فقال له جعفر: ما رأيك في -ذكر له حلوى- ما رأيك فيها؟ الفالوذج أو غيرها فقال: أنا لا أستطيع أن أحكم على غائب أحضروها وأحكم عليها، فأحضروا منها قدراً كبيراً فقال: (وإلهكم إله واحد) فأعطاه واحدة، ثم قال (أرسلنا إليهم اثنين) فأعطاه ثانية، (فعززنا بثالث) فأعطاه الثالثة.

وهكذا بدأ يأتي بآيات فيها رقم ثم يعطيه بقدر ذلك، لاشك أن هذا فيه استخدام للآيات القرآنية لغير ما أنزلها الله فيه.

وأقل ما يقال: إن مثل هذا لا يليق ذكره ولا حكاياته، حتى على سبيل الاستطراف ولو بالإسناد أيضاً؛ لأن القرآن ما أنزل لمثل هذا، وينبغي صيانة كلام الله عز وجل عن مثل ذلك؛ لأن في آخره أيضاً بذاءة أكثر، يقول: فلما وصل إلى إحدى عشرة بعد ذلك قال: إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً، يقول: فألقاها في يده، وقال: ما بقي شيء، قال والله لو لم تؤتني لأتيتك بقوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} [الصافات:147] .

لاشك أن هذا ليس لائقاً، ولا أنزل القرآن من أجل أن نضحك من مثل هذه المواقف، فهذا مما يؤخذ على هذا الكتاب، ونسأل الله -جل وعلا- بمنه، وكرمه أن يغفر لنا، وللإمام الشيخ أبي بكر الخطيب البغدادي، ويتجاوز عنا وعنه إنه جواد كريم، فليس المقصود النيل منه، فإن هذا الرجل كما قال بعض الصالحين، لما ذكر له عيوب بعض الفضلاء، قال: إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث.

فهذا الرجل إن -شاء الله- قد جاوز القنطرة، وإن شاء الله هذا يضيع في بحر حسناته، وإنما المقصود تنبيه القارئ حتى يتفطن لها إن وقع عليها.

ومما يؤخذ على الكتاب: أن فيه -أحياناً- استخفافاً ببعض الصالحين لا يليق، وسآتي بأخف ما هناك، أما الثقيل فلا أستطيع أن أذكره، فمن أخف ما ذكر في هذا، أو مما ذكر في هذا، إن شئت قل مما ذكر في هذا أنه قال: قيل لطفيلي أتحب أبا بكر وعمر؟ قال: ما ترك حب الطعام مكاناً في قلبي لأحد.

هذا أيضاً ليس بلائق؛ لأن محبة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما دين، يجب أن يدين به كل إنسان، ولا ينبغي أن تكون مجالاً لنكتة أو طرفة، يتناقلها اللاحق عن السابق.

المأخذ الثالث: أن فيه بعض ما أشرت له سابقاً، من ذكر اللعب والسب والشتم، وما يخالف الأدب المطلوب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015