أزمة التخطيط: والتخطيط مطلب شرعي، حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعتمده كثيراً، وحادثة الهجرة مثلٌ ذلك في هذا المجال, ومثل -أيضاًَ- لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم قال: -كما في صحيح مسلم- {أحصوا لي من يلفظ بالإسلام} وهو من حديث حذيفة , فأجرى النبي صلى الله عليه وسلم عملية إحصائية لعدد المسلمين, وهذا كله يتعلق بموضوع التخطيط، ومحاولة الإعداد للمستقبل, التخطيط لحل المشكلات التي يمكن أن تنجم, التخطيط لتنمية المجتمع, التخطيط لبناء النفس, التخطيط للوقاية من الأخطاء والأخطار المقبلة.
ونحن نعرف أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتخوفون وهم في المدينة من غسّان، حتى أن رجلاً لما طرق على عمر خرج إليه عمر، وقال له: ما لك؟ قال: افتح، حصل أمر عظيم! قال: ماذا، هل جاءت غسان؟! قال: كنا نتسامع أنهم ينعلون الخيل لحربنا, وقد امتلأت قلوبنا منهم رعباً, قال: لا، الأمر أعظم من ذلك, طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه، والحديث طويل معروف.
والشاهد: أن تَوَقُع الأخطار المستقبلية والاستعداد لمدافعتها وإزالتها جزء مما هو مطلوب من المسلم, ولكن انعدام الشعور الصادق بالمسؤولية, وانعدام المؤسسات والدراسات والاستطلاعات, وعدم توفر البيانات الصادقة الضرورية للعمل, وإبعاد الكفاءات المخلصة, واستيراد المخططين الأجانب من خارج دائرة المنتفعين والمستفيدين, بل من خارج أبناء الأمة كلها, كل هذا أوجد أزمة في التخطيط على مستوى الأمة، في كل مدنها، ودولها، ومناطقها, وأنتج ذلك عواقب منها: استمرار التخبط, وعدم انتظام الأمة, وعدم تحقيقها لما تطمح إليه وتصبوا إليه, ومثله أن الأمة أصبحت تتعرض دائماً وأبداً لمفاجآت غير محسوبة, ونكبات لم تكن تنتظرها, وأهدر المال والجهد في أشياء لا تنتفع الأمة في حاضرها ولا في مستقبلها, وكم ندمت الأمة على مالٍ بذلته, أو علاقة بنتها, أو خطة رسمتها, أو غير ذلك من الأشياء!