أزمة غياب القدوة

نموذج آخر: أزمة القدوة, القدوة التي لا يمكن أن تحقق التربية إلا بوجودها {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21] , فهذه هي القدوة العظمى، الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم, الذي هو المثل الكامل في هديه وأقواله وأفعاله وأخلاقه وعبادته عليه الصلاة والسلام, ثم ما دون ذلك من القدوات، التي يمكن أن تحرك الإنسان فقط إلى عمل صالح متفق عليه، كما يومئ إلى ذلك حديث جرير -وهو في الصحيح- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من سَنَّ في الإسلام سنة حسنة؛ فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده إلى يوم القيامة} هو لم يأت بشيء من عنده, إنما أحيا سنة قد أميتت، وأثارها، وحركها، ودعا الناس إليها بقوله وفعله, فاقتدوا به، واندفعوا إليه بصدقة, أو إلى جهاد, أو إلى علم, أو إلى عمل, بسبب أنهم رأوا فلاناً فعل فقلدوه وحاكوه في ذلك، وذكرهم بما كان غائباً عن وجدانهم.

أزمة القدوة: القدوة الحية -التي هي أصل التربية والسلوك- لم تعد تتوافر في المجتمع, فأحياناً لا توجد القدوة في المنزل عند الأب بالنسبة للولد, أو عند الأم بالنسبة للبنت, لا توجد في الإعلام، فالإعلام قد يقدم -مثلاً- الفنان على أنه قدوة, أو يقدم اللاعب على أنه قدوة, أو يقدم الوجيه والثري على أنه قدوة, أو يقدم الشخصيات المرموقة اجتماعياً بغض النظر عن كفاءتها, وبغض النظر عن موقعها في دين الله عز وجل, وبغض النظر عن التزامها في السلوك والأخلاق.

ولهذا أنت لو أمسكت بأصغر طفلٍ, وقلت له: ماذا تتمنى أن تكون؟ ما كان له إلا أن ينطق بأولئك الأشخاص الذين يبجلهم المجتمع، ويفرح بهم ويعظمهم ويقدرهم ويوقرهم, فهو يحب أن يكون مثلهم.

التعامل والسلوك في المدرسة لا تقدم القدوة الصالحة -أحياناً- بل تتوفر على النقيض من ذلك ألوان من القدوات السيئة في هذه المرافق وفى غيرها, وهنا فراغ الساحة من القدوة، يعني: انعدام العمق التربوي لدى الأفراد, وتنازع الفرد بين أكثر من نمط من الأنماط الغازية, فهو في ذهنه فلان وفلان وفلان, وكل هؤلاء ليسوا أهلاً لأن يكونوا قدوة حسنة وغاب عنه أولئك الرجال الأفذاذ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015