المهرب الرابع الذي نهرب إليه أحياناً: هو تعطيل جهود البناء اليومي القريب، بكلمات جوفاء وشعارات كاذبة، نعطل بها حركة التاريخ، بدعوى أننا ننتظر الساعات الخطيرة والمعجزة الكبيرة, نحن مشغولون بالأهم, ولذلك لا نبذل ولا جهوداً صغيرة, لعل المثال الذي ذكرته يصلح أيضاً هنا: فلو كان عندك عشرة ريالات، فممكن أن تساهم في حل مشكلة كبيرة للمسلمين في أي بلد, لكن أنا عندي عشرة والآخر عنده عشرة، كل واحد يقول: عشرة لا تساوي شيئاً, هذه تحتاج إلى أمور كبيرة.
ونفس الكلام مع كثير من الناس اليوم عندما تحدثه عن منكر موجود في المجتمع, يقول: يا أخي المجتمعات تحتاج إلى حل جذري, هذه لا بد من وجود قوة تقوم على هذه المنكرات وتزيلها، بخطاب أو بمرسوم أو بجرة قلم مثلاً, لكن دعنا من هذا الكلام العام وهذه الأحلام, لماذا لا نحاول إزالة المنكرات بإمكانياتنا البسيطة وبقدر ما نستطيع؟! ومثل ذلك: القضية التي يدندن حولها بعض الإخوة أحياناً، عندما يأتي بعض الشباب يتكلمون في قضايا فرعية، منكرات، مثلاً: مثل شاب عنده معصية، إما في طول ثوبه, وإما في شعره, أو سماع الغناء, أو شرب الدخان, المنكرات القريبة الموجودة المتداولة، التي قل من يسلم من بعضها, يأتي إنسان يتكلم في بعض هذه الأشياء, يأتي آخر يقول: يا أخي الأمر أعظم من ذلك، أنت مشغول في هذه الأمور البسيطة.
والأمر الأعظم من ذلك, إذاً الأمر الأعظم هو قضية الإسلام والمسلمين ومصائبهم ومشاكلهم وبلاياهم، ويبدأ يسرد لك سلسلة من آلام المسلمين.
نحن لا نعارض، نحن نقول: من لم يتألم لآلام المسلمين فلم يحقق الإسلام الحقيقي, لأن المسلمين كالجسد الواحد وكالبنيان المرصوص, لكن هذا الإنسان الذي صرفك عن الاشتغال بقضية جزئية في وقت محدد, هل دفعك فعلاً إلى الاشتغال بالقضية الكبرى؟ أم شغلك عن هذا الأمر اليسير، ثم جعلك لا تعمل شيئاً، بحجة أنك تفكر بالمعجزة الكبيرة، وأنك مشغول بالأهم.