قانون المدافعة والصراع

وأضرب لكم أمثلة للسنن الألهية التي يجب أن نعيها، مثلاً قانون المدافعة والصراع قال تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة:251] الكون كله مبني على دفع الله الناس بعضهم ببعض، بين الخير والشر صراع دائم، والشر نفسه لا يمكن أن يتوحد بحال من الأحوال، ولذلك كم تحالفت أمم، ثم تمزقت هذه الأحلاف.

يتحدثون -أيها الإخوة- اليوم في بلاد العالم عما يسمونه بالنظام العالمي الجديد، والذي يريدون أن يوحدوا فيه الأمم كلها تحت حضارة واحدة، وبزعامة دولة مستبدة واحدة، يريدون أن يقضوا على أي نمط حضاري آخر، وعلى أي دين، وعلى أي تجمع يدين بدين معين، أو يتمذهب بمذهب خاص، فيتحدثون عن هذا النظام، وأقول: إن مثل هذا الحديث؛ هو معارض لسنن الله تعالى في الكون، فإن الكون كله مبني على قانون الصراع، أو كما هو التعبير القرآني: قانون الدفع، قال تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة:251] فكلما جمعوا وحزموا انفرط الحبل، ورجعت الأمور من جديد، وكلما رتبوا وخططوا فوجئوا بوضع يتغير عليهم، لأن المسلم أحياناً يقول كيف؟ أين المفر؟ أين المخرج؟ أين النافذة التي منها يتحقق نصر الإسلام؟ هنا يتذكر الإنسان أن مثل هذا الوضع الذي يتحدثون عنه، ومثل هذه الأشياء التي يرسمونها، هم يرسمونها من منطلق أسبابهم المادية، ونظراتهم القاصرة، ووفق خططهم، صحيح أن لهم عقولاً وتخطيطاً وترتيباً، لكنهم يبقون بشراً، ويبقى عنصر المفاجأة دائماً جاهز، فالذي يعمل ويقدر حقيقة هو الله عز وجل، فالتدبير في السماء حقيقة، إنما هؤلاء يترسمون على وفق ما يتصورون، وكم فوجئوا بأمور لم تخطر لهم على بال، قلبت حساباتهم رأساً على عقب.

إذاً: علينا أن ندرك أن مثل هذا الكلام، كلام يخالف السنن الإلهية، وأننا نتوقع، وننتظر أن يكون هناك تمزق في هذه الأحلاف العالمية، يكون من خلاله نصر للإسلام وللمسلمين، كما علينا أن ندرك -أيضاً- أن التهديد الدائم الذي يواجه به المسلمون وغيرهم، هو سبب لاستفزاز الطاقات وتوحيدها، إنَّ الكون مبني هكذا، هذه هي حكمة الله عز وجل أمم كثيرة بينها صراع، هذا الصراع هو من أسباب بقائها، لأن هذه الأمة تشعر بأنها مستهدفة، فتجمع طاقاتها وقوتها، وتظهر ما لديها، لكن إذا شعرت أمة من الأمم بأن الأمر قد استتب لها، وسلمت القيادة لها، وانتهى كل شيء، حينئذ لم يوجد هناك ما يدعو إلى بذل الطاقة، لم يوجد هناك ما يدعو إلى الاستماتة، لم يوجد هناك ما يدعو إلى بذل الجهد، وهذا يتعارض مع طبيعة السنن التي وضعها الله عز وجل في هذه الحياة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015