ولذلك أنتقل إلى سُنَّة ثالثة من السنن الإلهية: متى يأتي نصر الله؟ أحوج ما كان المسلمون إلى النصر، وأشد ما كانوا فيه من حالة الضعف، والشعور بقوة العدو، فهو وقت النصر، انظر هذه السنة في القرآن الكريم: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا} [يوسف:110] لاحظ متى جاءهم نصرنا، أما استيأس الرسل، وظنوا أنهم قد كذبوا، جاءهم نصرنا، والآية الأخرى يقول الله عز وجل: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:214] هنا يكون نصر الله قريب، ولذلك كان الرسول عليه الصلاة والسلام يبشر أصحابه بالنصر يوم الأحزاب، تجمعت قريش، وغطفان، واليهود، وكل الأمم، تجمعت عليه، قوة ضاربة، أحاطت بالمدينة، وأصبح المنافقون يخافون أن يتخطفهم الناس، ما الذي حدث؟ حينئذٍ الرسول عليه الصلاة والسلام لأنه يفقه هذه السنن، ومؤيد بالوحي، كان يضرب بالمعول، فإذا برق النور قال النبي صلى الله عليه وسلم: أعطيت مفاتيح كسرى، مرة أخرى قيصر، مرة ثالثة فتحت لي اليمن، في هذا الوضع بالذات حين تجمعت الأحزاب، الرسول صلى الله عليه وسلم كان يبشر البشائر، ليست بشائر بلا مقابل أبداً، انظروا الأحزاب لما تجمعوا حول المدينة، هل عندهم أكثر من هذا؟! ما عندهم أكثر من هذا؟! فكانت هذه مواجهة نهائية، قال تعالى: {أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا} [الأحزاب:9] ماذا بقى؟ هل يمكن أن يعيدوا المحاولة؟! أبداً، أقصى ما في جعبتهم بذلوه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأحزاب: {الآن نغزوهم ولا يغزونا} الآن انتقلنا من مرحلة الدفاع، إلى مرحلة الهجوم، لأن العدو بذل أكثر ما عنده وفشل، فسقط، وتمرغت سمعته في التراب، هنا بدأ نجم الإسلام يطلع ويرتفع، وبدأت مرحلة الهجوم على الأمم الوثنية المشركة، في الجزيرة العربية وخارج الجزيرة العربية.
أصحاب موسى عليه السلام ماذا حصل لهم لما لحق بهم فرعون، وأتبعهم فرعون وجنوده؟ نظر أصحاب موسى فإذا البحر أمامهم، والعدو خلفهم، وهم قلة فماذا قالوا؟ قالوا: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء:61] أي: وقعوا في الفخ الآن، ليس هناك فائدة، فقال موسى عليه السلام: {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى} [الشعراء:62-63] هنا جاءت المعجزة الإلهية، لأن المعجزات أو الآيات جاهزة موجودة، كما سيأتي في النقطة الرابعة والأخيرة في موضوع تأييد الله للمؤمنين الصادقين، المهم أن المؤمنين حين قالوا إنا لمدركون هنا يأتي دور: أولاً: أهل العلم والدعوة في التثبيت، وثانياً: أن يعلم الناس أن هذه هي بدايات النصر، هنا يبدأ النصر، هنا يولد.
- العالم اليوم: ولذلك أستطيع إن أقول لكم، وكلي ثقة بما أقول: إن العالم اليوم يعيش لحظة حمل أو حالة مخاض، سوف يتولد عنها أوضاع أخرى مختلفة على مستوى العالم كله، وهذه الأوضاع نقول بكل ثقة: إنها سوف تكون أوضاعاً في صالح الإسلام، وفي مصلحة الإسلام، وستكون بداية نصر حقيقي للإسلام، وهذا الكلام الذي أقوله ليس مجرد عواطف ندهده بها نفوسنا، ولا مجرد كلام نقوله لنسلي به أنفسنا، والله إننا لنقوله وقلوبنا مليئة بأن مستقبل الإسلام الحقيقي بدأ يولد الآن، وأن القرن القادم هو قرن الإسلام، وأن هذا الارتباك الذي يعيشه العالم هو لحظة مخاض سوف يتولد عنها أوضاع مهما تصور السذج والمغفلون أن هذه الأوضاع تسيء إلى المسلمين، إلا أن هذه الأوضاع سوف تكون بإذن الله عز وجل هي النار التي ينضج عليها واقع المسلمين الصحيح، حتى يكونوا جديرين بخلافة الأرض والتمكين فيها، وهذا الكلام يجب أن يتحول من مجرد عواطف إلى عقيدة راسخة في قلوبنا، لأننا لا نتكلم من فراغ.
الآن الشيوعيون، لما كانوا يقولون: إن المستقبل للشيوعية، ويعدون العالم بجنة فردوس موعود، فكانوا يتكلمون بلا رصيد، ويتكلمون من منطلق عقيدة هم أول من نقضها، وتبين الآن فشلها، لكن المسلمين: أولاً: يتكلمون من تاريخ، نحن نملك لا أقول أربعة عشر قرناً، نحن نملك التاريخ كله.
الأمر الثاني: أننا ننطلق ونملك الأدلة الشرعية والسنن والنواميس الإلهية.
الأمر الثالث: أننا نملك الواقع الغربي المتهالك المنهار الذي يؤذن بالانهيار في أي لحظة من ليل أو نهار.