إن الله لا يصلح عمل المفسدين

من السنن الإلهية -أيضاً- أن الله لا يصلح عمل المفسدين، الذين يعتدون على سلطان الله عز وجل في الأرض، سواءً بأن يحكموا بغير ما أنزل الله عز وجل، بأن يحكموا البشرية بأنظمة من وضع البشرية، حكم الشعب بالشعب كما يقولون، الذين بلغت بهم الوقاحة وقلة الأدب أن يقولوا كما قال أسلافهم من قبل.

فرعون قال: {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى * فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى} [النازعات:25] كل من حاول أن يعتدي على سلطان الله عز وجل، أو جهل قدر الله تبارك وتعالى وعظمته، فإن الله تعالى له بالمرصاد يأخذه أخذ عزيز مقتدر، هذه -أيضاً- سنة إلهية.

قريش: لما قالوا: هل يسمع الله ما نقول، كما في صحيح البخاري: {أنه اجتمع نفر، كثير شحم بطونهم قليل فقه قلوبهم، فقالوا: هل يسمع أو لا يسمع، قال بعضهم: يسمع، وقال بعضهم: لا يسمع، وقال بعضهم: يسمع إذا جهرنا ولا يسمع إذا أسررنا، فقال الله عز وجل: {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [فصلت:23] } فلذلك أيضاً نصر الله عز وجل المؤمنين عليهم، وأُخذ هؤلاء القوم، ورأوا الذل بأعينهم في دنياهم قبل الآخرة.

اليهود: لما قالوا {إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [آل عمران:181] وعاقبهم الله عز وجل وكتب عليهم الذل منذ أوجدوا وقالوا ما قالوا، انحرفوا إلى يومنا هذا، قال تعالى: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا} [آل عمران:112] وقد قلت في بعض المناسبات: إن مما يثير العجب أن اليهود إلى الآن على رغم أنهم أشد الناس عداوة للذين آمنوا، هل تتذكرون معركة تاريخية فاصلة خضناها مع اليهود باستثناء المعارك في هذا العصر، خضنا معارك شهيرة مع المشركين الوثنيين، وخضنا معارك شهيرة مع النصارى الصليبيين، وخضنا معارك مع الفرس، أما اليهود فحتى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن هناك معارك حقيقية معهم، حتى خيبر، كثير من أهل العلم يقولون فتحت صلحاً، أو بعض حصونها فتحت صلحاً، ولم يكن هناك قتال يذكر، ليس عندنا معارك تاريخية مع اليهود، لماذا؟ لأن اليهود يشتغلون في الخفاء، مثل إخوانهم من المنافقين، يعملون في الخفاء، يعملون في الظلام، فهم مثل الخفافيش لا تعيش في النهار، يحرقها النور، إنما تعيش في الظلام وتشتغل في الخفاء، المهم أن هؤلاء اليهود، وهم أعدى أعدائنا، مع ذلك معاركنا معهم محدودة، وهذا يعني ذلهم، وعجزهم، وجبنهم، وأنهم لا يتجرءون على مواجهتنا، فقد ضرب الله عز وجل عليهم الذل من يوم أن قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء، وتعرضوا للذات الإلهية بالتنقص، فما بالكم كيف يصنع الغرب اليوم مع الله جلا وعلا؟ لقد كفر الغرب أشد الكفر، وقال الغرب: الإنسان يقوم وحده وليس بحاجة إلى الله، وقال الغرب: إن الإنسان هو الذي يصنع ربه والعياذ بالله وحتى أهل الكتاب الذين يُفترض أنهم يدينون بأديان سماوية، ويعبدون الله عز وجل فيما يزعمون، حتى هؤلاء أصبحوا يتكلمون عن ربهم كلاماً لا يمكن أن يتكلموه عن رئيس من رؤساء دولهم، حتى إنني قرأت في بعض التقارير أنهم يتكلمون عن هذه الثروة البترولية، وكيف صارت في هذه البلاد الإسلامية، ويقولون: إننا لا بد أن نفكر بطريقة وأستغفر الله وأتوب إليه من إيراد مثل هذا الكفر، لكن كما ذكر الله عز وجل في كتابه كفر اليهود والنصارى، لأن هذا مما يؤكد السنة الإلهية التي ذكرت يقولون: يجب أن نصحح خطأ الإله، الذي وضع البترول عند قوم لا يستحقونه، إلى هذا الحد بلغت بهم الوقاحة، وبلغ بهم الكفر، فهل ترى يترك الله عز وجل من يعتدي على قدره سبحانه، وقد أرانا بالأمم السابقة الغابرة، وبالمعتدين، من أعاجيب صنعه جل وعلا ما يجعل المؤمن يقطع بأن الله تعالى سوف يأخذ هؤلاء أقوى ما كانوا، وأخبث ما كانوا، وأكفر ما كانوا، وأزهى ما كانوا، وأعظم ما كانوا، اغتراراً بأنفسهم، وشعوراً بالغنى عن ربهم جل وعلا.

يجب أن ننطلق من منطلقات عقدية صحيحة واضحة، أنَّ هذه سنة إلهية، أن الله لا يصلح عمل المفسدين، لأنهم يكيدون، لا أقول: إنهم لا يكيدون، إنَّ عندهم أجهزة استخبارات، وعندهم مؤسسات، وعندهم مراكز دراسات، وعندهم خطط، وعندهم الدراسات المستقبلية الآن، تشتغل بطريقة غريبة، لكن اسمع الله عز وجل يقول: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً} [الطارق:15-17] ويقول: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:30] ويقول: {وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ * فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا} [النمل:50-52] ويقول: {وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ} [فاطر:10] إذاً مكرهم وكيدهم في ضياع، وتباب، وهلاك، يبذلون جهوداً كبيرة لكن النهاية لا بد أنها عليهم، هذا فرعون نفسه ماذا يقول عن موسى ومن معه: {إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ} [الشعراء:54-56] حاذرون هذه هي التي تشغل العالم الكافر اليوم، الحذر من المسلمين، فكل مؤسساته، ومراكزه في حالة استنفار، قلقاً من هذا الخطر الجديد، أي خطر؟! الأصوليون، الإسلام، هم يقولون في الغرب إنا لجميعٌ حذرون، كما قال زعيمهم الأول فرعون، لكن ما هي النتيجة، قال تعالى: {فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} [الشعراء:57-58] وقال تعالى: {وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} [الدخان:27-29] إذاً {وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ} [الشعراء:56] هذه قالها فرعون، وقالها هؤلاء، وكما أهلك الله عز وجل طاغيتهم الأول، فإن الله تعالى يهلكهم، ويضيع كيدهم، وخططهم، ومؤامرتهم هباء! والله عز وجل إذا أراد أمراً يسر أسبابه، لا تقل: كيف؟ فإن الله عز وجل يضع ما لا يخطر لك على بال.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015