والأثر الثالث من آثار ونتائج النزف هو: الصراع على مكاسب الدنيا الدنيئة، المال والأرض والجاه والسلطة والمنزلة والصراع على هذه الأشياء، لأن تصبح هم الإنسان وغاية مقصوده، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصاً على حماية أصحابه، وأمته من هذا الأمر ولذلك في الصحيحين عن عمرو بن عوف الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: {أتي بمال من البحرين -جزية جاءته من البحرين- فعلم بذلك الأنصار، فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما صلوا معه صلاة الفجر، جاءوا فسلموا عليه، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم، حين رآهم، وقال: أظنكم سمعتم بالمال الذي قدم من البحرين، قالوا: نعم يا رسول الله، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: أبشروا وأملوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم} إذاً: بسط الدنيا يتبعه غالباً التنافس عليها ثم الهلاك من أجلها، ويذهب الإنسان صريع الدنيا، وشهيد الهوى، وليس في سبيل الله عز وجل، فهذا مما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحذر منه أمته.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: {إذا فتحت عليكم فارس والروم أي قوم أنتم؟ قال: عبد الرحمن بن عوف نقول كما أمرنا الله عز وجل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: أو غير ذلك، تتنافسون ثم تتحاسدون ثم تتدابرون ثم تتباغضون} حتى إنه جاء في الحديث الآخر {أن يحمل بعضكم السيف على رقاب بعض} فهذا من شؤم التنافس على هذه الدنيا، ولذلك فإن الحل: يكون في الإعراض عن الدنيا في ذات النفس والأخذ بنصيحة الإمام الشافعي: ومن يذق الدنيا فإني طعمتها وسيق إلينا عذبها وعذابها فما هي إلا جيفة مستحيلة عليها كلاب همهن اجتذابها فإن تجتنبها كنت سلماً لأهلها وإن تجتذبها نازعتك كلابها خذ بهذه القاعدة، والإمام الشافعي رضي الله عنه، كان يستقرء منهج القرآن والسنة، وكان يذكر لك تجارب الأولين في هذا الأمر، هذا بالنسبة لي ولك، أما الدنيا بالنسبة للكافرين، فإننا يجب أن نصارعهم عليها لأننا مطالبون بإنقاذ الأرض من الكفر وحمايتها، وأن نحكم الأرض باسم الله، وكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن نعمل على ألا يكون للكفار سبيل على المؤمنين، بل ولا على غيرهم، وكذلك نحن مطالبون بأن نكون أقوى من غيرنا عدداً وعدة، مطالبون بأن نكون أقوى منهم اقتصاداً، وأقوى منهم تسليحاً، وأقوى منهم صناعة، وأقوى منهم تخطيطاً، وأقوى منهم علماً كل هذا نحن مطالبون به شرعاً لحماية ديننا، والتمكين له وليس لخظوظ أنفسنا.
أما التنافس على مكاسب الدنيا: فإنه يفضي -والعياذ بالله- إلى عقوبة الله عز وجل، ولذلك جاء في مسند الإمام مسند الإمام أحمدو أبي يعلى، عن ابن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ما ظهر الزنا والربا في قوم إلا أحلوا بأنفسهم عقوبة الله عز وجل} وقبل قليل ذكرت لكم مسألة عبادة الشهوة، فهذا الزنا عبادة الشهوة، فأصبح الإنسان همه شهوته، هذا الزنا وبعد ذلك، المسألة ليست مسألة حالة فردية، واحد استتر في بيته ووقع في معصية، ثم تاب، لا! بل ظهر وفشا وانتشر وأصبح معروفاً، وأخباره تتلى فلان فعل، وفلان فعل، وفلان فعل، بل قد يتطور الأمر إلى أكثر من ذلك: أن يصبح في بعض بلاد المسلمين، والعياذ بالله، أماكن للفحش والبغاء والدعارة - نسأل الله السلامة والعافية- أو تصبح هذه المظاهر بينة على الأرصفة في الشوارع، أو على شواطئ البحار أو ما أشبه ذلك هنا ظهر الزنا والربا.
فالربا هذا نموذج للتنافس على الدنيا، والصراع على مكاسبها الذميمة؛ بحيث إن الإنسان أصبحت الدنيا همه وغاية مقصده بحلال أو بحرام، لا يهمه إلا أن يحصل عليها، {ما ظهر الربا والزنا بقوم إلا أحلوا بأنفسهم عقاب الله} وقد يقول بعضهم: أين عقاب الله؟! فأقول، كما قال أحد الباحثين المعاصرين، يقول: لا أعلم عقاباً أعظم من العقاب الذي نحن فيه الآن، إلا أن ينزل الله تعالى علينا صاعقة فتحرقنا، هكذا يقول، وأقول: أسأل الله عز وجل أن يدفع عنا وعن المسلمين جميعاً عقوبته وأن يرزقنا التوبة النصوح ما دامت التوبة ممكنة وبابها مفتوح.