النتيجة الثانية من نتائج الترف: هي قضية عبادة الشهوة، سواء في ذلك شهوة البطن، أم شهوة الفرج، وهذه القضية ظاهرة جداً، فإننا نجد أن المترفين من الرومان القدماء، واليونان كانوا يهتمون أشد الاهتمام بشهوات البطون والفروج، حتى إنني قرأت في بعض الكتب أنهم من شدة نهمهم وشهوتهم إلى الطعام كانوا يأكلون أنواع الطعام، ثم يتقيئونها من أجل أن يتلذذوا بأكل ألوان الطعام الطيب، وقل مثل ذلك بالنسبة لتلذذهم بالمشاهد المحرمة والفواحش والشهوات وغيرها، وأما في هذا العصر، فإنك ترى من مشاهد عبادة الشهوة، سواءً شهوة البطن والفرج أو غيرها الشيء العظيم.
شهوة البطن:- حتى إننا نجد الأمم الرومانية الكافرة اليوم أصبحت قضية الطعام قضية أساسية عندهم، أي: التفنن في ألوان الطعام، وصناعة الطعام وطهيه، وألوان المأكولات والمشروبات، وأشياء لا تخطر على بال حتى أصبح هذا فناً قائماً بذاته، وله جامعات تقوم بدراسته، وتربية الناس عليه، وفيه قصص وأخبار في غاية الطرافة، فيما يصنعونه في مطاعمهم التي تستقبل الناس، وتقدم لهم ألوان الأطعمة بصورة غريبة جداً.
شهوة الفرج: وأما فيما يتعلق بشهوات الفرج، فإنهم يتلذذون بألوان الإباحة الجنسية في بلاد الغرب بشيء كبير وعظيم، حتى إنهم أفضوا بذلك إلى الشذوذ، وألوان الشذوذ مثل: كون الذكر والعياذ بالله مع الذكر، والأنثى مع الأنثى، حتى الصبيان الصغار من أبناء سبع وثمان وعشر سنوات يدربونهم على هذه الأمور، حتى الحيوانات ويحرص على تقديم ذلك للناس، وهم أشد حرصاً على نقل مثل هذا الوباء، وهذه التعاسة، وهذا الانحلال إلى الأمة الإسلامية بكل وسيلة؛ لأنه يسوءهم جداً أن يروا أناسا يتطهرون -يعني: المسلمين- فهم لا يريدون أن يجدوا في بنات المسلمين فتاة تتزوج وهي عفيفة مثلاً، ولذلك لما قامت بعض الغربيات بإعداد دراسة في بعض المناطق القريبة منا، ووجدت -أن أكثر النساء إن لم يكن كل النساء- محافظات على بكارتهن أعدت تقريراً في غاية الذهول، لماذا؟ لأنهم في بلادهم الكافرة لا يعرفون للكرامة ولا للشهامة، ولا لحماية العرض معنى، ولا يمكن أن تجد امرأة منهم تتزوج وهي بكرٌ أبداً، حتى تكون قد ارتكبت فاحشة الزنا مع صديق لها، ويتلذذون بذلك ويتمتعون به ويتوسعون فيه حتى أصبحت -أيضاً- قضية الإباحة الجنسية، قضية في غاية الأهمية عندهم، ولها أجهزتها المتخصصة، وقنواتها المتخصصة وصحفها ومجلاتها وأماكن ممارستها بل وأسواقها إلى غير ذلك، يتوسعون في هذه الشهوات وهذا أمر طبيعي بالنسبة لهم لماذا؟! لأن غاية أمرهم هي هذه الحياة الدنيا، فلسان حالهم يقول: خذ من الدنيا بحظ قبل أن تنقل عنها فهي دار لست تلقى بعدها أطيب منها هذا منطقهم، وهذا لسان حالهم، لا هم لهم إلا الدنيا، والآخرة عليهم والجنة عليهم حرام، ماتوا وهم فيما هم فيه من الكفر.
فلذلك يحرصون على أن يعبوا عباً من شهوات الدنيا ولذائذها، ويغرقوا غرقاً في ألوان ترفها؛ لأنه لا حظ لهم إلا هذه الدنيا.
وأذكر أن الأستاذ سيد قطب رحمه الله ذكر في كتابه الذي لم يطبع أمريكا التي رأيت ونقل هذا في كتاب آخر له الإسلام ومشكلات الحضارة، يقول: إنه رأى معلمة تعلم الطلاب والطالبات على ألوان الرذيلة والفاحشة، وكان من ضمنهم بنت عمرها أربع عشرة سنة، فيقول: قلت لها -ويريد أن يعرف السر- لماذا أنت تحرصين على هذه البنت التي عمرها أربع عشرة سنة تمارس الفاحشة والرذيلة، أليس الوقت بالنسبة لها مبكراً؟! قالت: لا، أبداً لأن الحياة قصيرة، وغير صحيح: أن الولد أو البنت يظلون جزءاً كبيراً من عمرهم لا يستمتعون بالشهوات؛ لأن العمر قصير، نعم العمر قصير بالنسبة لهم، لأنه ليس لهم آخرة، لهم النار في الدار الآخرة، ولذلك هم يأخذون من الدنيا بقدر ما يستطيعون؛ لأنهم يعلمون أنه لا حظ لهم في الآخرة، فهم عبيد لهذه الشهوات، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار، تعس عبد الخميصة تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش} فسماه عبداً لهذه الأشياء، عبداً للمال وعبداً للفرج، وعبداً للقمة العيش، وعبداً للكرسي، وعبداً للمرأة؛ لأنها أصبحت كل همه، حتى كان الشاعر يقول عن حبيبته، أو معشوقته: لا تدعني إلا بيا عبدها فإنه أشرف أسمائي كما أن المؤمن يشرف بعبوديته لله عز وجل، ويفخر بذلك، ويقول كما قال عياض: ومما زادني شرفاً وتيهاً وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا كذلك المشرك الذي أصبح لا يعبد الله، بل يعبد ليلى، ولبنى، وسلمى، ونجوى، هذا المشرك الذي عبد هذه التماثيل وهذه النساء أصبح يقول: لا تدعوني إلا بيا عبدها فإنه أشرف أسمائي وعلاقة ذلك بالنزف واضحة كما أسلفت، ولذلك جاء في قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، والقصة أصلها في البخاري ومسلم لكن في مسند أحمد بن حنبل، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {مر على جبار منزف} -هكذا الحديث في المسند- ومعه زوجته، وكانت زوجته حسناء جميلة فلما علم الملك الجبار المنزف بها دعاها، وهو يريد أن يقع عليها، فدعت الله عز وجل، فشلت يده} والقصة معروفة، والمهم أن المترفون ليس عندهم مانع، وليس بينه وبين الشهوة إلا أن يريدها، فليس عنده مقياس، مثلاً الشرع يمنعك من هذا، ليس عنده مقياس، الحلال والحرام ليس له وجود في قاموسه، قاموسه هل يريد أو لا يريد؟! فهو يفترض إذا أراد حصل له ما أراد، مثلاً: إذا رأى امرأة جميلة ليس هناك ما يمنعه منها في ظنه ونظره، لماذا؟! لأنه يملك المال والقوة والقدرة فما الذي يمنعه؟! إذا رأى ما تطمح إليه نفسه أراده! فإذا أراده فلابد أن يحصل له في زعمه وظنه! ولذلك إذا منع منه أصابه من الهم والغم والكمد الشيء العظيم، لأنه يتحسر على فوت هذا الأمر، وعلى فقده، وعدم تحصيله.