والأثر الرابع من أثار النزف هو: العقوبات التدريجية، وهي من آثار الماضي، ومن آثار الزنا والربا، والشهوة والتنافس على الدنيا، وعبادة المادة، فمن آثارها بداية العقوبات التدريجية، ولذلك الرسول صلى الله عليه وسلم حذر أصحابه تحذيراً صريحاً، قوياً، واضحاً، صحيحاً من ألوان العقوبات، ففي الحديث الذي رواه أحمد وابن ماجة وهو حديث صحيح عن ابن عمر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوماً: {يا معشر المهاجرين خمس خصال إن ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن} ما هي هذه الخصال الخمس؟ {لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا} والفاحشة، والزنا، واللواط والشذوذ الجنسي بألوانه إلا ظهرت فيهم الطواعين والأوجاع، الطواعين: الهربس، الإيدز، أمراض الزهري، السيلان، ما يسمى بالأمراض الجنسية، وهي من أخطر وأفتك الأمراض الموجودة اليوم، وهي أخطر من جميع الأمراض الموجودة التي عرفتها البشرية، فهذه آثار الفواحش والإعلان بالفواحش وقال: {ولم ينقصوا المكيال والميزان، إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان} نقصوا المكيال والميزان -هذا أيضاً- من النزف، أي كون الإنسان أظهر الفاحشة هذا من النزف، كونه أنقص المكيال والميزان هذا من شدة تعلقه بالدنيا؛ لأنه مع أن الله عز وجل وسَّع عليه تجده بخيلاً، شحيحاً بالمال لا يخرجه إلا في الحرام، ولا ينشط في إخراجه إلا في الحرام على مائدة قمار، أو مكان خمر أو لهو، فقد ينفق الأموال الطائلة لكن تطلب منه مائة ريال لجمعية خيرية، أو لمساعدة مجاهد، أو لأسرة محتاجة، أو لعمل طيب؛ لربما بخل بها أو أعطاك إياها وهو يمن عليك بذلك، فهذا من آثار النزف والبخل والشح والتعلق بالدنيا، حتى ينقص الإنسان المكيال والميزان فيعامله الله بنقيض قصده، فيبتلى بشدة المؤنة والسنين {إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عز وجل عليهم عدواً من غيرهم فأخذ بعض ما في أيديهم} يعني من الأرض، من المال، من الناس وهذا حاصل الآن بالنسبة للمسلمين، كما هو معروف، مشاهد، {وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله عز وجل، ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله عز وجل بأسهم بينهم} وهذا الحديث: ناطق بما عليه واقع المسلمين اليوم في كل مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها، وفيه دليل على العقوبات التي يبتلي الله تعالى بها هذه الأمة إذا أعرضت عن كتاب الله عز وجل، ولذلك جاء في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم، عن زينب {أن النبي صلى الله عليه وسلم نام يوماً ثم استيقظ فزعاً، وهو يقول: لا إله إلا الله؛ ويل للعرب من شر قد اقترب، قالت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون، قال: نعم إذا كثر الخبث} انتشر النزف بين الناس، واظهروا الفاحشة، وبخسوا المكيال والميزان، وحكموا بغير كتاب الله، ومنعوا زكاة أموالهم، ونقضوا عهد الله وعهد رسوله، حينئذ حقت عليهم عقوبات الله عز وجل ما دام قد فشت فيهم هذه الأمور، وإن كان فيهم قوم صالحون قليل، ولذلك يقول الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال:33] هذان شرطان: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} [الأنفال:33] يعني ما دام الرسول صلى الله عليه وسلم موجود فهو أمنة لأمته، فإذا مات بقيت سنته، فما دامت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم موجودة في الأمة فهي آمنة لها من العذاب، ما دام الناس يعملون بالكتاب والسنة هذا أمنة لهم، ما كان الله ليعذبهم وهم يعملون بالكتاب والسنة، ولذلك أنصح إخواني بالحرص على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى في أدق أمورنا: في صلاتنا، في ثيابنا، في هيئاتنا، في أشكالنا في دخولنا في خروجنا نحرص على أن تكون السنة خير رفيق لنا في كل هذه الأمور، وقال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} أكثر من قول {استغفر الله وأتوب إليه، ربي إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم} بما يدفع الله تعالى عنا العقوبة والعذاب؟ باستغفار الصالحين قال: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} لكن ما بالك إذا أهمل الناس سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهملوا العمل بها وبالقرآن، ثم مع ذلك لجوا في طغيانهم يعمهون، حتى إنهم لا يستغفرون ربهم عز وجل، قال تعالى عن المنافقين: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} [المنافقون:5] حينئذٍ يحق عليهم عذاب الله لا محالة، وإن وجد فيهم الصالحون، وإن وجد الأخيار، وإن وجد الذين يقومون الليل، ووجد الذين يصومون النهار فإن عذاب الله عز وجل إذا نزل أخذهم جميعاً، ثم يبعثون على نياتهم، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أم سلمة وغيره.