السبب الثاني: هو أن الله عز وجل قد يأخذ الناس بالمحنة والشدة والبأساء والضراء لعلهم يتذكرون ويرجعون إلى ربهم كما قال الله عز وجل: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:42-43] وقوله: {فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ} [الأنعام:42] البأساء من البؤس، وهي الشدة والفقر وقلة ذات اليد، والضراء من الضر والآفة والمصيبة والمرض وما شابه ذلك، فأخذهم الله عز وجل بالفقر، والشدائد، وبالآفات والأمراض، لعلهم يتضرعون ويشعرون بحاجاتهم إلى الله عز وجل، فينكسرون بين يديه، لكنهم لم يفعلوا بل قست قلوبهم، وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون، ويقول عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ} [الأعراف:94] فهكذا سنة الله عز وجل في كل القرى والأمم، وفي كل الشعوب إذا أصروا وكذبوا؛ عاقبهم الله عز وجل بالبأساء والضراء، وهذا من رحمته بهم، أنه لا يعاجلهم بعقوبة تستأصلهم وتنهيهم، كلا.
ولا يمهل لهم، ويملي لهم في النعيم منذ البداية حتى يغتروا، كلا.
بل البداية أن الله عز وجل قد يأخذ جيرانهم، فإذا لم يتعظوا، أظهر الله عز وجل لهم بعض الشدة وبعض البأساء لعلهم يضرعون.
يقول الله عز وجل: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ} [الأعراف:130] والسنين جمع سنة: وهي القحط والجدب والسماء لا تمطر، والأرض لا تنبت حتى تموت الزروع والضروع والحيوانات، ويصيب الناس القحط والجفاف هذه السنين: {وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ} [الأعراف:130] بسبب القحط والجدب، وبسبب نزع البركة، فتنقص الثمرات عندهم: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ} [الأعراف:130] ويقول في آية أخرى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ} [الأعراف:133] هذا نموذج مما أخذهم الله به من الآفات: {وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ} [الأعراف:133] ولكن مع ذلك كله استكبروا فهذه هي المسألة الثانية التي يأخذ الله عز وجل بها الأمم لعلهم يتضرعون، لأن هذا ليس عقاباً نهائياً ليبيدهم ويستأصلهم عن آخرهم، بل هذا عقاب مؤقت لعلهم يرجعون، ويتذكرون، فإذا أصروا واستكبروا، كما استكبر الذين من قبلهم، كما فعل قوم فرعون وسواهم، فإن الله عز وجل يعاملهم بأسلوب آخر.
فإن الله عز وجل، قد يبتلي الأمم بالأمراض، وكم من أمة ظهر فيها من الآفات والأمراض ما لم يكن يظهر فيمن قبلهم، ولو نظرنا في واقعنا الآن لوجدنا أن الناس أصبحوا يتسامعون بأمراض لم يكن الأولون يعرفونها.
ما يسمى بالجلطة: التي تصيب الإنسان وهو نائم أو قاعد أو يأكل أو يشرب في لحظة فينقل مغمى عليه، ثم غالباً ما يخرج من سرير المستشفى إلى نعش الموتى، كذلك لم يكن الناس يسمعون بالسرطان ولا يسمعون بالهربس والإيدز وغيرها من الأمراض الجديدة التي وقف الطب حائراً أمامها.
فهذه ألوان من الآفات والمصائب، والمحن التي يأخذ الله بها الناس في كل زمن، ولها سبب كما سوف يتضح، وأحياناً يأخذ الله عز وجل الأمم بنقص البركات والثمرات، وهذا -أيضاً- مشاهد.
والأمم الإسلامية اليوم بالذات تعيش تأخراً وتراجعاً في مسألة الاقتصاد، في يوم من الأيام كان عند الناس ما يسمى بطفرة اقتصادية، ولذلك كثير من الناس قاموا بمشاريع ومؤسسات وشركات، وأسسوا وعمروا وبنوا، لكن تأخر ذلك وتراجع كثيراً، وأنت لو تأتي إلى إنسان اقتصادي لقال لك: ذلك بسبب أمور، وذهب يعدد لك أسباباً كثيرة، وقد تكون هذه الأسباب صحيحة لكن نحن نقول وراء هذه الأسباب كلها السبب الشرعي قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف:96] إذاً: تراجع الاقتصاد، والأمراض، والمصائب، واختلال الأمن كل ذلك من الأمور التي ينبه الله تبارك وتعالى بها عباده لعلهم يرجعون.