تنوع الأحوال على الأمم

الأمر الثالث: هو أن الله عز وجل قد ينوع الأحوال على الأمم، أي أنه يغير حالهم من قحطٍ إلى جدب ومن قحطٍ إلى مطر، ومن مطرٍ إلى جدب، ومن غنى إلى فقر ومن فقر إلى غنى، ومن صحة إلى مرض ومن مرض إلى عافية، وهكذا ينوع الله عز وجل على ابن آدم.

لأن بعض الناس إذا ألفوا حالاً لا يعتبرون، حتى الشدة -والعياذ بالله- إذا ألفها الناس لم يعودوا يعتبرون، ولذلك يقول بعض الخبراء: أن الله عز وجل أصاب بلداً من بلاد الغرب المشهورة بالفجور والدعارة بالزلزال، فكان الزلزال يضرب في جنوب البلد، وأهل الشمال مواصلون فيما هم فيه من اللهو واللعب والخمر والرقص والفساد والفجور، فبعض الناس إذا استمرت عليه الحال حتى ولو كانت حال شدة قسا قلبه، فكيف إذا استمر عليه الرخاء فيقسو قلبه أكثر، ولذلك يغير الله عز وجل الحال على عباده، فيصيبهم بقحط، ثم برخاء، ويصيبهم بنعيم ثم بؤس، ويصيبهم بمرض ثم عافية؛ لعلهم يرجعون، ولذلك يقول الله عز وجل: {وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الأعراف:168] بالحسنات والسيئات، الحسنات: جمع حسنة وهي ما يصيب الإنسان مما يحبه من الخير والرخاء والنعيم والسرور والصحة والعافية والسلامة، والسيئات: هي ما يكرهه الإنسان من القحط والجدب والجفاف والمرض والفقر والبؤس والهزيمة فأحياناً هكذا وأحياناً هكذا.

قال تعالى: {ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [الأعراف:95] سبحان الله، الناس إذا قست قلوبهم كأنه لا حيلة فيهم، حتى حينما يغير الله عز وجل ما بهم، ويبدل أحوالهم حالاً بعد حال، ماذا يقولون؟ يقولون: هذا أمر طبيعي! قد مس آباءنا الضراء والسراء، ما هذه سنة الحياة وطبيعة الحياة، وهذا شأن الأولين، كما قالوا: {إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ * وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} [الشعراء:137-138] فيقولون: حتى آباؤنا قد مستهم الضراء والسراء.

تنوع الأحوال وتبدلها ليس خاصاً بنا، فمثلاً: تأتي إلى إنسان قد بُدِّلَ نعيمه بشقاء وبؤس وعذاب، فتقول: يا أخي! تذكر، اتق الله، عد إلى الله، فيقول: يا أخي! هذا أمر طبيعي، الأمر الذي أصابني أمر طبيعي، قد مس آباءنا من قبل، قد أصاب أبي وجدي ما أصابني.

إذاً: لا داعي لأن اعتبر واتعظ، فهذا الأمر الذي وقع لي قد وقع لغيري، والأمر الذي وقع لهذا الجيل قد وقع للجيل الذي قبله وهم يقولون: {قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ} [الأعراف:95] (إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ * وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} [الشعراء:137-138] .

ولذلك يقولون: لا علاقة لهذا الأمر بطاعة، أو كفر، وهذا -مع الأسف الشديد- أصبح نغمة نسمعها اليوم، فأصبحنا نسمع كثيراً من ضعفاء الإيمان أو المنسلخين عن الدين يشككون في أن المعاصي هي سبب ما أصابنا وما أصاب الأمم من حولنا، ويعجزون عن ربط هذا الأمر بقضية الذنوب والمعاصي، يقولون: ما علاقة كون الناس يصلون أو يصومون باحتلال بلد آخر لهم؟! ما علاقة تعاطي الربا بالعقوبات التي تنزل من السماء، أو تخرج من الأرض؟! وهذا الكلام في الواقع لا يقوله الذي يؤمن بالله واليوم الآخر، لأنك لو كنت تعلم أن الله عز وجل بالمرصاد، فإنه لا غرابة أن القوم إذا أطاعوا الله عز وجل وكانوا له على ما يريد فإن الله عز وجل يكون لهم بكل خير أسرع، فيدر عليهم عيشهم، ويبسط لهم رزقهم، وينعمهم في الدنيا بألوان النعيم، وإذا عصوه وخالفوا أمره وتمردوا على رسله فإن الله عز وجل يؤدبهم بألوان المصائب والنكبات، لا غرابة في ذلك، عندما يؤمنون بالله عز وجل، لكن من لا يؤمن بالله؛ فإنه يفسر الأمور كلها تفسيراً مادياً بحتاً، ولا قدرة لعقله على أن يتجاوز حدود هذه الدنيا لينظر فيما وراءها، فهم محجوبون بحجاب كثيف عن معرفة ما عند الله عز وجل، أما المؤمنون فيقرءون القرآن، فيجدون من خلاله أن هذه المصائب والنكبات إنما هي بذنوبنا وبما كسبت أيدينا قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015