إهلاك الجيران للعبرة بهم

فمن الطرق التي يوقظ الله بها الأمم، والأسباب التي يدفع بها عنها النقم أنه عز وجل يهلك جيرانهم حتى يعتبروا بهم، كما قال عز وجل: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الأحقاف:27] فانظر إلى هذه الأمم والدول والشعوب التي أهلكها الله عز وجل، وتبصر بسبب هلاكهم حتى تتجنب هذه الأسباب، فالسعيد من وعظ بغيره، ولذلك كان من دعاء بعض الصالحين، أنه كان يقول: اللهم لا تجعلنا عبرة لغيرنا، لأنه كما أن الله عز وجل يهلك غيرنا لنعتبر، فلا مانع أن يهلكنا الله عز وجل، ليعتبر بنا غيرنا، فإنه ليس بين الله عز وجل وبين خلقه سبب إلا التقوى: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الأحقاف:27] وهذا السبب من الأمور التي قد رفعها الله عنا حتى الآن، فإننا نعلم في هذه الأزمنة المتأخرة أن هذه البلاد لا تزال محفوظة من المصائب العامة، والنكبات الشاملة على حين أن الأمم تتخطف من حولنا وكل يوم نسمع عن نكبة.

فلسطين: قبل عشرات السنين سمعنا مأساة فلسطين، وكيف أن اليهود احتلوها ودخلوها، وشردوا أهلها ومزقوهم كل ممزق، وفعلوا بهم الأفاعيل حتى أصبح الفلسطينيون في أنحاء الدنيا، لا وطن لهم، ولا مستقر لهم بل هم مشردون، إما في أنحاء الدنيا، وإما مشردون في خيام ومخيمات تجود بها عليهم المنظمات العالمية، وشأنها كما قيل: في خيمة من نسيج الوهم لفقها ضمير باغٍ على الإسلام يأتمر أوهى وأوهن خيطاً من سياسته لو مسها الضوء لافقدت به الستر تعدوا الرياح بها نشوى مقهقهة كأنها بشقوق الرمل تنحدر لا شيء يقيهم من الحر والقر، والريح ويتكففون هذه المنظمات العالمية أن تمدهم بما يحتاجون إليه من الكساء أو كسرة الخبز أو غيرها.

أفغانستان: وبعد ذلك سمعنا بمآسي المسلمين في بلاد أخرى، كما سمعنا بمأساة المسلمين في أفغانستان، وكيف فعل بهم الروس وعملاؤهم من أهل البلد الأصليين، وكيف أن أكثر من مليوني مهاجر خرجوا هائمين على وجوههم لا يدرون إلى أين، أكثر من مليونين في باكستان، وربما عدد كبير في إيران، ودع عنك أعداداً غفيرة من الأفغان الموجودين في أنحاء الدنيا، حيثما يممت من بلاد الله وجدت ذلك المسلم الأفغاني لا مستقر له، ولقد ألتقيت بأحد كبار قادتهم منذ زمن ليس بالقصير في مناسبة الحج، وهو من الشيوخ، فكان يقول لي: والله إننا نعلم أنه ما أصابنا الذي أصابنا إلا بسبب تقصيرنا في أمر الله، وتركنا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

لبنان: بعد ذلك جاءت، بل قبله وبعده ومعه، جاءت قضية لبنان، وتسامع الناس كيف أن الله تعالى أحرقها بنار الحرب التي لا تبقي ولا تذر، واستمرت على مدى أكثر من عشر سنين، حرب ضارية طاحنة أتت على الأخضر واليابس، وهذا البلد الذي كان ميداناً للسياحة بالأمس، وكان الناس يذهبون إليه في الاصطياف وللعلاج ولغير ذلك، وكانت مكان طباعة الكتب والتصدير إلى غير ذلك، هذا البلد أحرقتها الحرب، فأصبحت قاعاً صفصفاً لا ترى فيها عوجاً ولا أمتا، ولا تزال الحرب تفعل فعلها في هذا البلد، ومثل ذلك في كشمير وغيرها، ولعل آخر العنقود وليس بالأخير هو ما جرى لـ الكويت.

ومن كان يظن أن ما جرى للكويت كان يجري، لو كان بالقياس العقلي، والنظر المجرد أن يقال لك: أن أهل الكويت وهم فيما هم فيه من النعيم والرفاهية والقصور الفارهة والأموال الكثيرة والأمن والأمان والرخاء ورغد العيش؛ لو قيل لك قبل أسبوع من الحادثة أن ما جرى سوف يجري لعددته ضرباً من المحال، ومن الطريف أنه في اليوم الذي يتلو، بل في اليوم الذي حصلت فيه الأزمة صلى معي رجل من الناس، فقال لي: هل سمعت ما جرى في الكويت؟ قلت له وماذا جرى؟ قال لي: إن العراق قد اجتاح الكويت، وطرد حكومتها وأهلها واحتلها، فوالله الذي لا إله غيره إني ما تجرأت على نشر الخبر أياماً، إلا أنني قلت: أن هذا أمرٌ فيه بعد، وأخشى أن يكون الذي أخبرني لم يتثبت، فلا أحب أن أتسرع بنقل الأمر، وقد لا يكون صحيحاً، لأن الأمر كان في غاية الغرابة، قال تعالى: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الأحقاف:27] فهذا سبب من أسباب إيقاظ الله عز وجل للأمم لعلهم يرجعون.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015