وقد عقد الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى- باباً في كتابه "حادي الأرواح" فيه مفتاح الجنة، وذكر فيه شيئاً كثيراً من هذا الموضوع، مثل قوله: أبواب الجنة هي الشهادة ثم السيف -أي الجهاد والقتال- وكذلك لا حول ولا قوة إلا بالله؛ فإنها من أبواب الجنة, ومفتاح الصلاة الطهور, ومفتاح الحج الإحرام, ومفتاح البر الصدق, ومفتاح الجنة التوحيد, ومفتاح العلم حسن السؤال وحسن الإصغاء, ومفتاح الصبر النصر, ومفتاح المزيد الشكر, ومفتاح الولاية المحبة والذكر, ومفتاح الفلاح التقوى, ومفتاح الإجابة حسن الدعاء, ومفتاح كل خير الرغبة في الله تعالى والدار الآخرة, ومفتاح كل شر حب الدنيا وطول الأمل ثم قال رحمه الله: وهذا باب عظيم من أبواب العلم، وهو معرفة أبواب الخير ومفاتيح الشر, ولا يوفق لمعرفته إلا من عظم الله تعالى حظه وتوفيقه.
المهم نعود إلى المثال وهو موضوع الشهادة, فإن الشهادة هي مفتاح الجنة بهذا الاعتبار، بمعنى أن كل عمل يعمله الإنسان فهو مفتقر إلى التوحيد وإلى الشهادة, فإذا صح إيمان العبد وصح توحيده فإن الله تعالى يدخله الجنة على ما كان من العمل, كما في حديث عتبان رضي الله تعالى عنها وهو في الصحيح: {من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق وأن النار حق؛ أدخله الله الجنة على ما كان من عمل} وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة في أحاديث أخرى.
المهم أن كل عمل من أعمال الشريعة مفتقر إلى أصل التوحيد وأصل الإيمان؛ ليكون مقبولاً عند الله تعالى نافعاً في الدار الآخرة, أما إذا فقد الإنسان الأصل فلا ينفعه بعد ذلك ما عمل, ولهذا سألت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن جدعان، وكان كريماً يصل الرحم، ويعتق العبيد الأرقاء، ويحسن إلى الضيوف وإلى الناس: أفينفعه ذلك؟ قال صلى الله عليه وسلم: {لا يا عائشة إنه لم يقل يوماً من الدهر رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين} فذكر أنه لا ينفعه ذلك؛ لأنه لم يحقق أصل التوحيد وأصل الإيمان.