الجهاد مفتاح العزة والكرامة

مثل ذلك أيضاً ما يتعلق بالجهاد, فإن الجهاد مفتاح العزة والكرامة وما ارتفع شأن الأمة إلا بالجهاد, وما استطاعت الأمة اليوم أن تفرض على الغرب لوناً من التفكير، أو رأياً في الأحداث، أو موقفاً معيناً مبنياً على احترام الإنجاز الإسلامي إلا بالجهاد في سبيل الله تعالى.

إن من الأمثلة القريبة الأحداث في البوسنة، فلقد ظن العالم كله أن المسلمين في أرض البوسنة فئة قليلة مغلوبة على أمرها، لا تملك القوة ولا السلاح، ولا صلة لها بالعالم الإسلامي، وأن من السهل أن يُقضى عليهم خلال شهور، بل ربما أسابيع وربما أيام.

وكيف لا يقضى عليهم وهم يواجهون رابع جيش في العالم؟ يملك مئات الطائرات وآلاف الدبابات ومئات الآلاف من القطع، وأكثر من ثلاثمائة ألف جندي من الصرب, وهذا الشعب معروف في أوروبا كلها بالقوة والشراسة والعناد والصبر والشجاعة، فظنوا أن المسلمين سوف يكونون طعمة للآكلين في لحظة أو لحظات, ولكن تنادت الأمة الإسلامية من المشرق إلى المغرب، حتى كان منهم من ذهب بنفسه, ومنهم من ذهب إلى الدعوة إلى الله، ومنهم من ساعدهم بماله، ومنهم من ساعدهم بالدعاء وقنت المسلمون لهم وصبروا, وما زالت قضيتهم حارة ساخنة على كل صعيد، حتى عزوا بإخوانهم وصبروا وأصبح عندهم قوة ورباطة جأش وشجاعة وصبر.

بل إنني أتابع أخبارهم بدقة، وخلال الثلاثة الأسابيع الماضية كانت تتوالى بحمد الله تعالى ألوان من الانتصارات والبشارات بإخواننا المسلمين هناك.

إن القوات المسلمة في البوسنة والهرسك ربما لا تزيد على ستة أو سبعة آلاف مقاتل فحسب، منهم بضع مئات من العرب، ولكنهم أرعبوا الصرب بل أرعبوا الغرب، وكانوا يهاجمونهم في المعارك، يقول لي أحد الإخوة: يظنون أننا خمسة آلاف، ونحن لا نتجاوز خمسة أفراد, وتحقق للمسلمين من التقدم عشرات الكيلومترات، وما زالت الأخبار تنقل لنا كل ما يبهج النفس ويسر القلب بحمد الله وتوفيقه, حتى إن من آخر الأخبار أن المسلمين تقدموا قرب إحدى المدن وأظنها مدينة سرافينك أكثر من أربعين كيلو متراً، ثم قتلوا من الصرب ما يزيد على مائتين أو ثلاثمائة، ثم سيطروا على قطار تابع للأمم المتحدة, فوجدوا أن هذا القطار ينقل الأسلحة إلى الصرب تحت علم ومظلة الأمم المتحدة, فسيطر عليه المسلمون وغنموه، وكان فيه بضع دبابات وكثير من الأسلحة الخفيفة والثقيلة.

ولقد رأيت بعيني قبل يومين شاباً جاءني وهو يقول: أنا طالب في مجالس العلم، وأطلب العلم عند العلماء ولكن قتل بعض إخواني في الجهاد هناك, فأنا كل ما تذكرتهم دمعت عيني واهتز قلبي وعظم حزني، أريد أن ألحق بهم, ثم -والله- رأيته وقد قطب وجهه، ثم دمعت عيناه, لماذا يدمع؟ يدمع شوقاً إلى الشهادة في سبيل الله، وشوقاً إلى لقاء إخوانه الذين سبقوه بهذا السبيل.

وقد رأيت من المسلمين من يتخلى عن بعض ثيابه ليتبرع بها لإخوانه هناك, رأينا في إحدى دول الخليج شاباً لا يملك المال ليتبرع به، فيأتي ويتبرع بالدم لبعض المختبرات التي يعطونه مقابل التبرع بالدم، ليأخذ عشرين درهماً لا يملك غيرها فيتبرع بها للبوسنة, يقول: إذا كان إخواني يستشهدون هناك، وتنزف دماؤهم تروي ثرى تلك البلاد، فلا أقل أن أتبرع بمحجمة من دمي لإخواني المسلمين هناك.

فهذا التناصر وهذا التأييد مهما كان، ولو لم يكن من ثمرته أن يقيم دولة للإسلام كما يتوقع بعضهم هذا ليس شرطاً أن يحدث, قد يحدث اليوم، أو بعد سنة، أو بعد مائة سنة، أو متى شاء الله تعالى, لكنه جعل الغرب يرتعد خوفاً أن تتحول جزيرة البلقان كلها إلى منطقة حرب، وأن تتطور الأمور، وأن تتدخل الدول المجاورة كتركيا أو روسيا أو ألبانيا وغيرها, وهناك مسلمون في ألبانيا وكوسوفو وفي السنجر وفي غيرها من الممكن أن يتحول الأمر إلى حمام دم كما يقال.

بل تخوف الغرب أن تكون هناك دولة أصولية في تلك المناطق, ولذلك أصبحنا وأصبحتم تسمعون في الأيام القليلة الماضية أن الحديث بدأت نبراته ترتفع، وبدأت حدته تعلو للتدخل في أرض البوسنة والهرسك من قبل الأمم المتحدة أو من قبل البلاد الغربية, يوم قتل عشرات الألوف، ويوم شرد مئات من العجائز والنساء والأطفال, وعُملت الجرائم واعتدي على أعراض أكثر من عشرة آلاف فتاة مسلمة باغتصاب قصري بشع وحشي من جنود الصرب, لم يتحركوا وكانوا يرون أن الأمر خطير وأن التدخل صعب, أما اليوم فقد بدءوا يتحدثون بشكل أوضح عن إمكانية التدخل لإيقاف تلك الحرب.

إن هذا يؤكد لنا أن المسلمين مهما ضعفوا يستطيعون إذا صدقوا الله تعالى وتناصروا أن يصنعوا شيئاً, ليس شرطاً قيام دولة تحكم بالإسلام، فقد لا يتحقق هذا بالسرعة التي يتمناها المسلم، أو على الأقل قد لا يحدث هذا في مثل تلك الظروف الحالية, ولكن تفكير الغرب بالتدخل هو نتيجة للصحوة الإسلامية؛ وخشية أن يتطور الأمر لصالح المسلمين, فهذا غلب جانب التدخل على رغم المخاطر الكبيرة على الدول الغربية, فإن قتل عشرة أو مائة أو حتى ألف من المسلمين إنه بآجالهم فمن مات منهم قبل يومه فهم شهداء في سبيل الله تعالى إن شاء الله.

وقد بعثوا في الأمة روح العزة والشوق للجنة, وقد ذكرت لكم ما قد رأيت من هؤلاء الشباب, والله تعالى يقول: {وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ} [آل عمران:140] .

إنني أعلم أيها الإخوة أن الذين ماتوا (بالتطعيس) عندنا في القصيم على مدى أسبوعين، يزيدون على سبعة شباب, أما الذين ماتوا (بالتفحيط) فهم أكثر, ولو عملنا إحصائية للذين ماتوا بحوادث السيارات لوجدناهم أكثر بكثير من أولئك الذين ماتوا في المعارك دفاعاً عن الحرمات وذباً وذوداً عن الإسلام والمسلمين, وهؤلاء لم يعلم بهم أحد ولم يتخذ إجراء مثلاً لمنع (التطعيس) ؟؟ ولا منع الآباء أبنائهم من ممارسته أو ممارسة التفحيط, بل اعتبروه أمراً عادياً, فلماذا نمتنع أو نمنع غيرنا إذاً من الجهاد في سبيل الله: وممارسته والتدريب عليه، وإزالة حاجز الخوف أو الوهن أو التعلق بالدنيا في النفوس؟ إن إصابات كرة القدم في الملاعب تعد شيئاً كثيراً، وأعتقد أنها تُقارن ببعض الإصابات في المعارك.

الكثير يتساءلون: ماذا استفدنا مما جرى في البوسنة والهرسك؟ أو ماذا استفدنا مما جرى في فلسطين؟ وإخراج أربعمائة وثلاثين من خيرة أبناء هذه الأمة من العلماء والخطباء وأساتذة الجامعة والدعاة والمراجع العلمية الذين صاروا في مثل هذا الوضع.

إنني أقول: ليس بهذه الصورة توزن الأمور، إن الأحداث التاريخية كلها لا تخضع أبداً لهذا المعيار حتى أولئك الذين نستطيع أن نقول قتلوا في بعض المعارك, هم يوم كانوا أحياء ماذا قدموا؟ ماذا استفادت الأمة منهم؟ هم في بلادهم ماذا نفعوا؟! إن الكثير لم ينفعوا شيئاً لكنهم لما سلكوا طريق الجهاد نفعوا كثيراً وقدموا لأمتهم خيراً كثيراًَ.

فإن طريق الأمة إلى العزة والكرامة لا بد أن تمر بالتضحيات الجسام, ولو لم يأتِ إلا غرس الجدية والشعور بالذات والإحساس بالقدرة على فعل شيء ما لكفى!.

إن شعور الأمة بالاستسلام المطلق والعجز التام هو من أخطر الأمراض, وليس علاجه أن تشعر الأمة بأنها تقدر أن تفعل كل شيء؟ لا, لكنها ما دامت حية فهي قادرة على أن تفعل شيئاً.

فمثلاً: وجود استعمار أو تدخل في بلد إسلامي, ليس شرطاً في مقاومة المسلمين له أن يسقطوا تلك الدولة التي استعمرت بلادهم, أو حتى أن ينتصروا عليهم انتصاراً مطلقاً, لكنني أجزم وأعلم أن قتل ثلاثين من رجالات تلك الدولة، ولو في مقابل أضعافهم من المسلمين في ظل الوضوح الإعلامي القائم اليوم أنه سوف يغير مفاهيم الكثير من رجال السياسة الغربية, أو أصحاب القرار الذين هم أحياناً مترددون، أو هم غير متحمسين للفكرة لكنهم غير معارضين لها, فهل كتب على المسلمين أن يظلوا هم فقط باقون تحت التسليم والخضوع والخنوع والاستسلام؟! لا تقولوا المسلمون انهزموا أمة المختار في حرز الصمد إنما تلك مسوخ ورثت نسبة الإسلام عن أم وجد فإذا ذلت لباغ فكما يعبث الفأر بتمثال الأسد محمد هل لهذا جئت تسعى وهل لك ينتمي همل مشاع أإسلام وتغلبهم يهود وأساد وتقهرهم ضباع أيشغلهم عن الجلى نزاع وهذا نزع موت لا نزاع شرعت لهم طريق العز لكن أضاعوا مجدك السامي فضاعوا عطفاً أيها الأحبة وتعليقاً سريعاً على ما ذكرت، لقد ذكرتني الجنائز التي صلينا عليها الآن وبعد صلاة المغرب, بخاطر خطر على بالي حينما صلينا في ظهر هذا اليوم على شيخنا الشيخ حمود رحمة الله عليه, لقد صُلِّي في الوقت نفسه على أناس آخرين فتذكرت سبحان الله كيف أن الإنسان الفاضل الخير يكون خيراً على من يصحبه حياً أو ميتاً, فصلي على جميع الذين ماتوا وقدموا في ذلك المسجد من قبل جمع غفير، ربما يقدرون بعشرات الألوف ونالتهم بإذن الله تعالى بركة الدعاء، ونسأل الله تعالى أن يشفع فيهم جميعاً هؤلاء المؤمنين الداعين, فهذا يكشف للإنسان أن صحبة الأخيار تنفع الأحياء والأموات، ونقول: اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم يا أرحم الرحمين.

أمر آخر في قراءة الإمام حين قرأ قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران:142] هذا يؤكد المعنى الذي ذكرته قبل، وهو أن الجهاد مفتاح الجنة, فإن الله تعالى قال للمؤمنين {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ} [آل عمران:142] أي كيف ظننتم أنكم تدخلون الجنة قبل أن تبتلوا وتجاهدوا وتصبروا؟ ويظهر للعيان ما علمه الله تعالى من حال فلان وفلان؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015