فإذا تصورت هذا قلت هذا يكفيه أن يكون ذلك الشاعر الفحل المحنك, لكن كيف إذا عرفت أنه أضاف إلى هذا أنه كان الغني السمح الجواد المفضال الذي يكفي أن تعرف قصة واحدة من قصص كرمه وجوده, كان يحج بأهل مرو وهي بلدته, فيجمع نفقاتهم كلها ويجعلها في صندوق ويقفل عليها, ثم يكتري لهم ويخرج بهم من مرو إلى بغداد, فلا يزال ينفق عليهم ويطعمهم أطيب الطعام وأطيب الحلوى، ويلبسهم أحسن اللباس, ثم يخرج بهم من بغداد بأحسن زي وشكل وهيئة, وأكمل مروءة حتى يصلوا إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فيقول لكل واحد منهم: ماذا أمرك أهلك وماذا أمرك أولادك أن تشتري؟ فيقول: أمرني أشتري كذا وكذا وكذا , فيذهب ويشتري لهم كل حاجاتهم, ثم يخرج بهم إلى مكة فإذا قضوا حجهم, قال لكل واحد منهم: ما أمرك عيالك أن تشتري لهم من مكة ومتاعها؟ فيشتري لهم ما أرادوا ثم يخرج بهم من مكة, فلا يزال ينفق عليهم إلى أن يصيروا إلى مرو, فيجصص بعدُ بيوتهم -أي: يعيدها ويرممها ويزينها- وأبوابهم, فإذا كان بعد ثلاثة أيام عمل لهم وليمة عظيمة, وكسا كل واحد منهم, فإذا أكلوا وسروا ولبسوا دعا بالصندوق وفتحه وأعطى كل واحد منهم الصرة التي فيها ماله وكان عليها اسمه.