وكان من كرمه وجوده صلى الله عليه وسلم أنه كان كريماً بنفسه, فكان شجاعاً لا يَهَابْ, ربما خرج أهل المدينة على سماع حسةٍ أو صوت خائفين وجلين, فعندما يشرفوا على مشارف المدينة إذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقبل من جهة الصوت على فرس قال: {لن تراعوا لن تراعوا ما رأينا من شيء وإن وجدنا لبحراً} أي: ليس هناك من خوف.
وكان صلى الله عليه وسلم يخوض المنايا ولا يهاب ولا يبالي, ففي معركة حنين فر أصحابه -صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم- من حوله وبقي النبي صلى الله عليه وسلم ثابتاً ثبوت الجبال الرواسي لا يتراجع، وهو يقول بصوت معلن: {أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب} نعم! رجل مستهدف تريده قريش وهوازن؟ وغيرهم من فنون المشركين يريدون أن يقتلوه صلى الله عليه وسلم ويبحثون عنه, يبحثون عن موقع القيادة أين هو؟ فما استخفى صلى الله عليه وسلم ولا استتر ولا اختفى, وإنما أعلنها بصوت عالٍ: {أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب} , ثم أمر العباس أن ينادي أصحاب الشجرة، فانجفلوا إليه صلى الله عليه وسلم وحاموا دونه حتى انتصروا.
فكان صلى الله عليه وسلم مباركاً أينما كان، والله تبارك وتعالى يقول لنبيه ومصطفاه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] , ليس للعرب خاصة، ولا لجنس ولا لون، ولا لفئة ولا لأمة وإنما للعالمين, الذين كانوا في عصره والذين جاءوا بعد عصره إلى قيام الساعة, من العرب والعجم، قال الله تعالى: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الجمعة:3] .
فكان النبي صلى الله عليه وسلم مباركاً أينما كان, الخير معه، والنور في صدره, والبركة في يده, ولهذا أحبه الناس, وتحول أعداؤه إلى أصدقاء {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:34] .
ودانت الجزيرة العربية للإسلام، وتربى هؤلاء الرجال الأفذاذ على مثل ذلك الأستاذ الكبير العظيم صلى الله عليه وسلم.