كان النبي صلى الله عليه وسلم كريماً في علمه, قد بذل علمه للناس كلهم، فأعطاهم وعلمهم حتى تخرج على يديه العلماء والجهابذة، والحفاظ والأساتذة الذين كانوا أئمة في علوم الدنيا وفي علوم الدين, وتخرج على يديه أولئك الذين كانوا رعاة الغنم وكانوا غارقين في صحرائهم, فتحولوا إلى أئمة يهدون بأمر الله عز وجل, لما تتلمذوا في هذه الجامعة الإسلامية المحمدية، ونهلوا من معين النبي المختار عليه صلوات الله تعالى وسلامه.
فتخرجوا أساتذة وعلماء ومجددين، وحملة علم وحفاظ شريعة، وكانوا آية من آيات الله تعالى في ذلك كله, ويكفي أن يعلم الإنسان أنه لم يكن على ظهر الأرض جيل منذ خلق الله تعالى الإنسان وإلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها, لم يكن على ظهر الأرض جيل مثل ذلك الجيل, من حيث العلوم، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث المتفق عليه: {خير القرون قرني} , وكل قرن يحاول أن يقتبس من علمهم ويأخذ من هديهم ويسير على طريقهم, ولكنه يظل بعيداً بعيداً عن تلك المنارة الرفيعة، وعن تلك القمة السامقة.
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يبذل علمه لكل أحد, فلا يحتقر أحداً ولا يزدري صغيراً، ولا يستهين بإنسان عبداً أو حراً، شريفاً أو وضيعاً، أو عربياً أو أجنبياً، عالماً أو جاهلاً، كبير السن أو صغير السن, قديم الإسلام أو حديث الإسلام, كان يعطيهم العلم صلى الله عليه وسلم، بل ويعطيهم أكثر مما سألوا، ويصبر عليهم، ويتلطف معهم حتى حملوا علمه عليه الصلاة والسلام.