عيسى عليه السلام مباركاً أينما كان

إذاً: عيسى عليه السلام ذكر أن الله تعالى منَّ عليه بأن جعله مباركاً أينما كان, ولذلك جاء في حديث خرجه الإسماعيلي وابن مردويه وابن النجار في تاريخه وغيرهم, عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رفع هذا الحديث نظر, قال: { {وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْت ُ)) [مريم:31] , قال: جعلني نفاعاً للناس أينما اتجهت} وذكر هذا المعنى وهذا الحديث الطبري في تفسيره, وابن كثير عن مجاهد , وجاءت رواية عن ابن عباس رضي الله عنه مرفوعاً: {أن عيسى كان معلماً مؤدباً حيثما توجه} , وفي رواية عن ابن مسعود أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {معلماً ومؤدباً أينما كنت} .

إذاً: هذا هو المعنى الذي نبحث عنه، ففرحت به وكأنما وقعت ووقفت على كنزٍ ثمين, ثم وجدت في كلام الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى هذا المعنى حول تفسير هذه الآية.

إن الذي يتأمل سيرة عيسى عليه الصلاة والسلام يعرف شيئاً من قوله ذاك, فقد كان عليه الصلاة والسلام يبرئ الأكمه والأبرص ويحي الموتى بإذن الله, وينبئ الناس بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم, وكان يحل لهم بعض الذي حرم عليهم، وكان يصدق ما بين يديه من التوراة ويبشر بما يأتي بعده من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ورسالته.

ومن أبرز الصفات في شخصية عيسى عليه الصلاة والسلام ما يلي: أولاً: أنه صلة للأنبياء السابقين وبشرى للنبي صلى الله عليه وسلم, فهو حلقة في سلسلة متصلة أولها آدم عليه السلام, فقد كان نبياً معلماً مكلماً, ثم نوح، وآخرها وخاتمها محمد صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب:40] .

ثانياً: أن عيسى عليه الصلاة والسلام كان نفعه عاماً بأمور الدين والدنيا, فمن نفعه في أمور الدنيا أنه يبرئ الأكمه والأبرص ويحي الموتى، ويشفي الله تعالى به المريض بإذنه عز وجل, ويخبرهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم وهذا من علم الغيب الذي لا يعمله إلا الله أو من أطلع عليه من خلقه {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن:26-27] .

أما الأمور الدينية فمثل ذلك: الدعوة إلى العقيدة وتصحيحها، وإخراج بني إسرائيل من رق المادية وعبودية الشهوة، وعبودية العجل إلى العبودية لله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد, ومثله أنه جاء محيياً ومجدداً لشريعة موسى عليه الصلاة والسلام، فكان نفع عيسى نفعاً دينياً ونفعاً دنيوياً.

ثالثاً: أن عيسى عليه السلام كان مشهوراً باللطف والسماحة، والبعد عن اللجاج والمساخطة والمغاضبة، وكان عفاً في قوله ولسانه وحديثه, ولهذا جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن عيسى عليه السلام رأى رجلاً يسرق, فقال له: سرقت؟ قال: لا والله الذي لا إله غيره ما سرقت, فقال عيسى عليه الصلاة والسلام: آمنت بالله وكذبت عيني} .

ودعوته عليه السلام إلى حسن الخُلُقِ والملاينة والملاطفة والحلم على الناس والصبر عليهم أمر مستفيض، وإن كان يوجد في التوراة المحرفة من ذلك الشيء الكثير, إلا أنه دخله كما دخل غيره التحريف والتبديل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015