الذين أخرجوا من ديارهم

المثال الخامس: وهو مثال سياسي يتعلق بقضية أولئك الإخوة المبعدين من الإخوة في فلسطين، الذين أخرجوا بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله، يزيدون على أربعمائة وعشرين شخصاً، من العلماء، والخطباء، وأساتذة الجامعات، ورجال العلم والدعوة، معظمهم يخرجون من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله، لقائل أن يقول: قتلنا جندياً إسرائيلياً واحداً فأخرج مقابل ذلك أربعمائة من خيرة الرجال، هذا ثمنٌ باهض! وينسى هذا الإنسان أنه هكذا يكتب تاريخ الأمم وقبل سنوات ليست ببعيدة، أخرجت بريطانيا من فلسطين ما يزيد على أربعمائة يهودي وبأسباب مشابهة، وبعد زمن ليس بطويلٍ عاد اليهود إلى فلسطين واحتلوها كما ترون وتشاهدون.

وهكذا أيها الأحبة تبدأ الانتصارات الصغيرة بتضحياتٍ جسام، وهل تعتقد أن اليهود كانوا سيدعون هؤلاء لو لم يقتل ذلك الجندي الإسرائيلي؟ أم كانوا ينتظرون أي حدث للتخلص منهم؟ وهل تعتقد أن اختيارهم جاء في يوم وليلة وبصورةٍ عشوائية؟ كلا، ثم هل كان إخراجهم شراً محضاً؟ ربما تضرروا هم أو أولادهم، لكن لا تستبعد أن يخلفهم في الساحة ضعفهم، ممن تحركت عواطفهم، والناس دائماً يتعاطفون مع المظلوم ومع المضطهد، ومع المضيق عليه، ويحس كل إنسان أنه لابد أن يقف معه، ويقف في موقفه.

ولقد ظل هؤلاء في مخيمهم في مرج الزهور، لقد ظلوا على مدى الأيام الطويلة الماضية، قضيةً عالميةً ساخنة تحرج اليهود، وتحرج أمريكا، وتحرج الأمم المتحدة، وتحرج بعض دول المنطقة على السواء، وهب أن هؤلاء نفوا إلى أي مكانٍ في الأرض، هل انتهوا؟! هل عطاء المسلم محدود بمكانٍ أو بزمان؟ لماذا لا تتصور أنهم ربما بدأوا حياةً جديدة، ومشواراً جديداً، وهم أقوى عزيمةً وأقوى مضاءً وأقوى تصميماً وأكثر فاعليةً، وإنتاجاً وإخلاصاً لله تعالى؛ ويكفي أن هؤلاء أبرزوا مسألةً: إسلامية القضية الفلسطينية على السطح، اضطر الجميع على التعاطف معهم على الأقل علانيةً على الرغم أن هؤلاء موسومون بما يسمى "التطرف" والتطرف اليوم هو الإختيار رقم واحد للمحاربة من قبل الجميع.

إذاً: ليس الربح والخسارة بترك الديار، والتعرض للأخطار، فهكذا الحياة، وكم عدد الذين فارقوا الدنيا بحثاً عن العيش، أو بحثاً عن الوظيفة، أو فراراً من مشكلة، أو طلباً لدراسة أو ما أشبه ذلك!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015