المثال الرابع: وهو مثال جهادي، حيث قتال المسلمين في البوسنة والهرسك، يتساءل الكثيرون هل من الممكن إقامة دولة الإسلام في أرض البوسنة والهرسك، على الرغم أن الوجود النصراني الكثير، وجود الكروات، ووجود الصرب، والمسلمون أغلبية، ولكن بنسبة قليلة في وسط أوروبا، وأوروبا ستعتبر أن قيام دولة إسلامية في عمقها خطرٌ يهددها، إذاً لنحدد الهدف، هل من الضرورة أن يكون القتال لإقامة دولة إسلامية؟ لماذا لا تنظر إلى القتال بحجمه الطبيعي لا تضخمه لكن لا تهون من شأنه، فهو دفاعٌ عن النفس وعن العرض والأرض، والنبي صلى الله عليه وسلم أذن بل بين أن من قتل دون نفسه، أو ماله فهو شهيد -كما في الصحيحين- ألم تعلم أنه قتل من المسلمين في الأرض نفسها في البوسنة أيام الحرب الكونية قتل منهم مثل ما قتل اليوم أو أكثر دون أن يطلقوا هم ولا رصاصة واحدة؟! هل تعلم أن إستالين قتل من المسلمين في الاتحاد السوفيتي ما يزيد على عشرة ملايين، دون أن يجد مقاومة تذكر؟! إذاً القتل حاصل حاصل، لكن كما قال الشاعر: وإذا لم يكن من الموت بد فمن العار أن تموت جبانا على الأقل اقتل من قتلك، واثأر لنفسك، قبل أن تموت على أقل تقدير، ثم هب أن المسلمين استسلموا، وأعطوا الصرب القيادة، وتركوا السلاح، ماذا ترى الصرب فاعلين؟ هل كانوا سوف يحتضنون المسلمين، ويلبون تطلعاتهم؟ أم كانوا سوف يسحقونهم ويبدلون دينهم، ويستحيون نسائهم ويقتلون رجالهم؟ وهذا هو أخطر ما يتوقعه إنسان، أو يخافه! إنك اليوم في عالمٍ لا يحترم إلا منطق القوة: منطق القوة يحيا منطقاً يحمل الجُلَّ ولا يرضى الشنار أما المبادئ الإنسانية وقيم العدل، وكلمات الشرعية؛ فهذه عبارات يدبجون بها نشرات الأخبار لا غير! ثم هذا المسلم القتيل لا تدري لعله شهيدٌ في سبيل الله، قال تعالى: {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاء} [آل عمران:140] والشهيد له عند الله أعلى المنازل، حتى تمنى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يموت شهيداً، فقال صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد: {وددت أني غودرت مع أصحابي بحصن الجبل} وفي الصحيحين قال: {وددت أني أقتل ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل} .
وسؤالٌ أخير: هذا المسلم أيضاً الذي نضج بالقتال، وتعلم الشجاعة، وعاد إليه الإيمان، أصبح قريباً من الآخرة بعيداً من الدنيا، وأنت تراه يصلي الصلوات الخمس، ويذكر الله تعالى، ويستعد للقاء الله، لأن الجهاد صنع الأمة فعلاً، أو شارك في صناعتها، لكن لو لم يكن ذلك، ماذا ترى هذا الإنسان؟! لربما وجدت الكثير منهم في حياة اللهو والدعة والترف، بعيدين كل البعد عن دينهم وإيمانهم، ألا ترى ماذا جنى الترف على هذه الأمة؟! ألا ترى كيف تسبب الغرق في الشهوات والولوغ فيها، والولوع فيها في موت القلوب، وضعف الهمم، وقلة الشجاعة وكثرة المخاوف، إن الجهاد يبني الأمة، ويغرس فيها معاني العزة والشجاعة والكرامة، ويعيدها إلى مجدها وقوتها ورجولتها، وما ترك قومٌ الجهاد في سبيل الله تعالى إلا ذلوا.