وأخيراً: ذلك الطاغية المتأله المستبد، الذي يقول: "أنا" ولو هلكت الأمة، والذي استأجر الكرسي من الأجنبي باقتصاد بلاده يضخه في بنوكهم، وأعرب عن صدق ولائه؛ بزج عشرات الألوف من المخلصين، والغيورين، والخبراء والعلماء في السجون والمعتقلات، وتعليق آخرين على أعواد المشانق، ومحاربة أي بادرة تغيير أو إصلاح، وتعهَّد بجعل بلاده بلاداً فقيرة متخلفة مستهلكة لضمان سيرها الدائم في ركاب الكافرين؛ فباع الآخرة واشترى الدنيا قال تعالى: {فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} [التوبة:38] وباع الحرية واشترى الذل والعبودية، وقد تعس عبد الدرهم، وتعس عبد الدينار، وتعس عبد القطيفة، وتعس عبد الكرسي، أو المنصب، وباع الأمة بثمنٍ بخس دراهم معدودة، فصادر حريتها وكرامتها وإنسانيتها، وجعلها أشباحاً هائمة لا تدافع عن دين، ولا تنفع في دنيا، ولا تحسن إلا الأكل والشرب والجماع، حياةً كحياة البهائم.
ثم يعيش حياته تلاحقه الأشباح؛ أشباح المنكوبين، وهب أنه عاش ما عاش، قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} [الشعراء:205-207] أتراه ربح أم خسر؟ وما مقياس الربح والخسارة!!