شابٌ ودع حياة الترف

بل ذلك الشاب الذي ودع حياة الترف، والنعيم والرفاهية، ورغد العيش، وقضى زهرة صباه في وادٍ، ثم انتقل منه إلى وادٍ آخر، قضى زهرة صباه بين عواصم الفساد والرذيلة في العالم، راكضاً وراء الشهوة، قاطفاً من اللذة ما استطاع، وسط حفاوة الأهل والأصدقاء والمعارف والأحباب، ثم أحس بعد ذلك بنور الإيمان يشرق على قلبه، فودع ذلك كله وتركه، وترك زينة الحياة الدنيا، وصحا على نداء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} [التوبة:38] سمع هذا النداء، فانطلق إلى جبال أفغانستان، أو إلى سفوح البوسنة، أو إلى أدغال إفريقية يبحث عن الموت أو القتل مضانه، نديمه الكلاشنكوف، وأمنيته الموت في سبيل الله، وحبيبه المسلم الشجاع، وأسوته ذلك المقاتل الذي يتشحط في دمه، بل ربما علق على أعواد المشانق؛ لأنه قال "لا إله إلا الله" ورفض أن يقول: لا إله والحياة مادة، وغادر الدنيا في زهرة شبابه وريعان صباه، مخلفاً وراءه أباًً هدته السنون، أو أماً ثكلى، وربما زوجة مجروحة، أو أطفالاً فراخاً صغاراً غراراً أبرياء يتساءلون عن أبيهم الذي فقدوه صباح مساء! يقولون: أين أبي؟ متى يأتي أبي؟ هل يأتي إلينا ومعه الهدية؟! فينكئون بذلك جراحاً كلما اندملت.

أفتراه حينئذٍ رابحاً أم كان من الخاسرين؟! ألقيت بين يديك السيف والقلما لولا الإله لكنت البيت والحرما أنت الهنا والمنى أنت العنا وأنا على ثراك وليد قد نما وسما أماه أماه هذا اللحن يسحرني ويبعث اليأس بي والهم والندما ما زال طيفك في دنياي يتبعني أنى سريت وقلبي يجحد النعما حتى وقعت أسير البغي فانصرفت عني القلوب سوى قلب يسيل دما أصحو عليه وأغفو وهو يلثمني قلب ضعيف ويغزو الصحو والحلما ويدخل السجن منسلاً فيدهشني إذ يستبيح من الطغيان شر حما فإن رآني في خير بكى فرحاً وإن رآني في سوء بكى ألما فلتغفري لي ذنبي يا معذبتي أو حاكميني وكوني الخصم والحكما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015