الاكتفاء بقدر معين من العلم

من آفات القراء: الوقوف عند مستوى معين في العلم، فتجد الإنسان يشعر في مرحلة من مراحل العمر أنه وصل إلى درجة كبيرة من العلم؛ فأصبح اهتمامه بالعلم والتحصيل أقل، ومن المعلوم أن العلم في حركة مستمرة لا يتوقف، حتى لو نظرنا إلى العلم الشرعي، لوجدنا أنه تطبع عشرات؛ بل مئات من الكتب الإسلامية في سائر أنواع العلوم والفنون مما لم يكن للناس به عهد، ولم يكن لهم عليه اطلاع، ولذلك تسنى لكثير من العلماء المتأخرين من الاطلاع على أنواع العلوم لم يتسن لمن قبله؛ لتيسر الوصول إلى الكتب والظفر بها.

فلا ينبغي للإنسان أن يقف عند حد معين، واليوم الذي يشعر الإنسان فيه أنه قد وصل إلى مستوى الكمال هو اليوم الذي ينتهي فيه الإنسان، يعتبر هذا الإنسان فيه انتهى ومما يجمل أن يساق في هذا الصدد ما ذكره ابن عساكر عن أبى القاسم الصوفي -أحد العلماء- أن أحد تلاميذه كان يقول: إن أبا القاسم هذا كان من أكثر الناس حرصاً على جمع الفوائد وتقييدها، قال: فسافرت معه للحج فكنا إذا دخلنا مدينة أخذ المحبرة والمقلمة والدواء والورق وقال: يا فلان هلم بنا نسمع الحديث، فلا يدع أحداً يُعلِّم ويروى ويقرئ إلا جلس إليه وأخذ عنه، فإذا جلس في البرية أخرج المحبرة والمقلمة والورق قال حتى إنه لما جاء إلى رمل وادي محسر والناس يتخففون من أمتعتهم؛ أخرج القلم والمحبرة والورق، فقلت له يا فلان رحمك الله! حتى في هذا الموضع! وماذا تصنع بها؟ قال: لعلي أسمع فائدة من إنسان أو جمَّال أو غيره فأقيدها!! لم يكونوا يقفون عند مستوى معين من العلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015