التوقر المبكر

الآفة الثالثة: هي آفة التوقر المبكر؛ حيث قد يدب الشعور بأهمية التوقر، ولبس لباس العلماء والتزيي بزيهم في غير أوانه، وإلا فهذا الشيء في أوانه مطلوب، والعلماء ممن يجب أن يقتدى بهم ويتشبه بهم، وكما قيل: فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح ولكن وضع الشيء في غير أوانه ليس بجيد، ولذلك كان السلف يرغبون لطالب العلم أن يجالس الفتيان ليأخذ عنهم حسن الخلق، ولين العريكة، وسلامه الطبع، يقول سفيان الثوري: لأن أصحب فتى أحب إليَّ من أن أصحب قارئاً، ويقول: في كلمة أخرى له: من لم يتفتى لم يتقرأ، يفسر الإمام الخطابي في كتاب العزلة معنى كلمة سفيان والفرق بين الفتى والقارئ تفسيراً جيداً وذا علاقة كبيرة بما نحن بصدده، فيقول:: إن من عادة الفتيان ومن أخذ بأخذهم بشاشة الوجه، وسجاحة الخلق، ولين العريكة، ومن شيمة كثير من القراء -هو قال الأكثرية -في الواقع-؛ لكن لعلهم ليسوا الأكثرية وإنما هم كثير- الكزازة، وسوء الخلق، فمن انتقل من الفتوة إلى القراءة كان جديرا أن يتباقى معه ذلك الذوق، وتلك الهشاشة، ومن تقرأ في صباه لم يخل من جفوة أو غلظة، وهذا ليس على إطلاقه وإنما يوجد عند طائفة، بل إنني أقول حتى أكون دقيقا طائفة قليلة من القراء، ولكن القراء -كما أسلفت- هم كالثوب الأبيض؛ كل ما كان فيه من دنس فإنه يشين مهما قلَّ ودق.

فينبغي للإنسان أن يحرص على مخالطة الناس، حتى يستفيد من أخلاقهم وتبسطهم، ويحفظ نفسه عن الكبر والتجبر، ويحتفظ بقدر من التواضع وحسن المعاملة لهؤلاء الناس، والبعد عن التوقر في غير أوانه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015