وفي صفحة [11] نقل المصنف عن الفضيل بن عياض -رحمه الله- كلمة كثيراً ما نسمعها وقد لا ندري من قائلها، وقد رأيت الإمام ابن القيم استشهد بها في غير موضع دون أن ينسبها لقائل، قال المصنف: قال الفضيل بن عياض عالمٌ معلم يدعى كبيراً في ملكوت السماء.
في صفحة [13] ذكر المصنف رحمه الله في صلب الكتاب أن الاشتغال بالعلم أفضل من الاشتغال بنوافل العبادات، قال رحمه الله: وقد ظهر بما ذكرناه أن الاشتغال بالعلم لله أفضل من نوافل العبادات البدنية من صلاة وصيام، وتسبيحٍ، ودعاء، ونحو ذلك؛ لأن نفع العلم يعم صاحبه والناس، -يعني نفعه متعدٍ- والنوافل البدنية مقصورة على صاحبها، ولأن العلم مصححٌ لغيره من العبادات، فهي تفتقر إليه وتتوقف عليه ولا يتوقف هو عليها، ولأن العلماء ورثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وليس ذلك للمتعبدين، ولأن طاعة العالم واجبة على غيره فيه، ولأن العلم يبقى أثره بعد موت صاحبه؛ وغيره من النوافل تنقطع بموت صاحبها، ولأن بقاء العلم إحياء الشريعة وحفظ معالم الملة.
ذكر ستة أوجه تميز العلم وتفضله على نوافل العبادات، هي: 1- نفع العلم متعد، أما العبادة فنفعها مقتصر على صاحبها.
2- أن العلم يصحح العبادة فهي تفتقر إلى العلم، ولو تعبد إنسان على جهل فلربما ابتدع، والعلم لا يفتقر إلى هذه النوافل.
3- أن العلماء ورثة الأنبياء، وليس ذلك للمتعبدين.
4- أن العلم يبقى أثره بعد الموت، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: {وعلم ينتفع به} في حديث أبي هريرة.
5- أن في بقاء العلم إحياء الشريعة.
6- أن العالم طاعته واجبة في العلم، وليس كذلك المتعبد، لذلك لما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] كان أولو الأمر هم العلماء والأمراء، فطاعة العالم في أمور الدين واجبة، وهذه فائدة تقتنص.