العناية والاهتمام بالطالب النجيب

وفي الصفحة [63] ذكر المصنف -رحمه الله- عناية السلف باختيار الطالب النجيب، يقول: (واعلم أن الطالب الصالح أعود على العالم بخير الدنيا والآخرة من أعز الناس عليه، وأقرب من أهله إليه.

ولذلك كان علماء السلف الناصحون لله ودينه يلقون شبك الاجتهاد لصيد طالب ينتفع الناس به في حياتهم ومن بعدهم، ولو لم يكن للعالم إلا طالبٌ واحد ينتفع الناس بعلمه وعمله وهديه وإرشاده لكفاه ذلك الطالب عند الله تعالى، فإنه لا يتصل شيء من علمه إلى أحد فينتفع به إلا كان له نصيب من الأجر) .

ثم ساق المصنف حديث أبي هريرة {: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٍ صالح يدعو له} ثم ذكر معنىً لطيفاً للحديث قال: وأنا أقول: إذا نظرت وجدت معاني الثلاثة موجودة في معلم العلم، أما الصدقة فإقراؤه إياه العلم وإفادته إياه، ألا ترى إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم في المصلي وحده: {من يتصدق على هذا} أي بالصلاة معه لتحصل له فضيلة الجماعة، ومعلم العلم يحصل للطالب فضيلة العلم التي هي أفضل من صلاة في جماعة، وينال بها شرف الدنيا والآخرة.

إذاً قوله: {صدقة جارية} المؤلف يرى أنها موجودة في طالب العلم، كأن الشيخ تصدق عليه بهذا العلم، وأما العلم المنتفع به فظاهره؛ لأنه كان سبباً في إيصال ذلك العلم إلى كل من انتفع به.

وأما الدعاء الصالح له فالمعتاد المستقر على ألسنة أهل العلم والحديث قاطبة الدعاء لمشايخهم وأئمتهم، وبعض أهل العلم يدعون لكل من يذكر عنه شيء من العلم، وربما يقرأ بعضهم الحديث بسنده فيدعو لجميع رجال السند، فسبحانه من اختص من شاء من عباده بما شاء من جزيل العطاء.

إذاً: المصنف خرج بأن الأمور الثلاثة: العلم المنتفع به، والصدقة الجارية، والولد الذي يدعو، كلها متحققة في طالب العالم إذا كان طالباً نجيباً.

ومن الفوائد التي ذكرها المعلق في صفحة [66] في ترجمة البويطي صاحب الإمام الشافعي قال: إن الشافعي قال له حين وفاته: قم يا أبا يعقوب فتسلم الحلقة، قال: توفي أبو يعقوب في رجب سنة إحدى وثلاثين ومائتين في القيد والسجن ببغدادقال الربيع وهو من أصحاب الشافعي: كتب إليَّ أبو يعقوب من السجن وقال: إنه ليأتي عليَّ أوقات لا أحس بالحديد أنه على بدني حتى تمسه يدي -أي: هذا من استغراقه في العبادة والتلذذ بالخلوة بالله عز وجل وفوائد العلم النافع تمر عليه أوقات ينسى أنه بالقيود حتى تلمسها يده- يقول: فإذا قرأت كتابي هذا فأحسن خُلقَك مع أهل حلقتك واستوص بالغرباء خاصة خيراً -أي: الذين كانوا يرحلون في طلب العلم- كثيراً ما كنت أسمع الشافعي رضي الله عنه يتمثل بهذا البيت: أهين لهم نفسي لأكرمهم بها ولن تكرم النفس التي لا تهينها يقصد الطلاب عموماً، والغرباء خصوصاً.

وهذا النقل نقله المعلق من وفيات الأعيان الجزء الثاني صفحة (458) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015