ومن صور الالتزام بالمنهج الشرعي: هي قضية الإنصاف من نفسك.
أن تنصف الآخرين من نفسك، حينما نحاول نحن أن نزن حسنات الآخرين وسيئاتهم تجدنا في الغالب لا بد أن نضع إصبعنا على طرف الكفة لترجح، أو هناك بحسب ميلنا أو هوانا، فهنا حينما يكون لك علاقة بهذا الطرف، أو تحشر نفسك معهم؛ فإنك تميل إليهم، وقد قال عمار رضي الله عنه كما في صحيح البخاري: [ثلاث من جمعهن فقد استكمل الإيمان: الإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالم، والإنفاق من الإقتار] ومعنى الإنصاف من نفسك: أن تضع نفسك في موضع الطرف الآخر، فتعامله كما لو كنت في مكانه، وهذه قضية أقول أحبتي بالتجربة والمعايشة للناس: ربما أتحدى أن يكون باستطاعتك أن تظفر بإنسان يوصف بأنه منصف من نفسه، لكن بعض الناس مسرف، وبعض الناس متوسط أو معتدل، وكما قيل: أتمنى على الزمان محالا أن ترى مقلتاي طلعة حر حر أي: حر من قيد النفس ومن قيد الهوى، يستطيع أن يلاحظ ما للآخرين وما على نفسه: ولم تزل قلة الإنصاف مانعة بين الرجال ولو كانوا ذوي رحم وكثيراً ما تجد من إذا غضب على شخص أطاح به, ونسي جميع حسناته وجميع فضائله، وإذا تكلم عنه، حتى وإن كانوا إخوة لأم ولأب أشقاء، واختلفوا على قطعة أرض -مثلاً- أو في تجارة أو في عمل؛ لوجدت هذا يتكلم عن أخيه بما لا يتكلم به أشد الناس عداوة، ثم تأتي للآخر وتجده يتكلم بمثل ذلك، فمتى يمكن أن تزول وتذوب هذه الفواصل بينهم؟ إذا تمسك كل واحد بما عنده وقال: نحن بما عندنا وأنت بما عندك راضٍ والرأي مختلف النقطة الخامسة من المنهج الشرعي: قضية الالتزام بنظام الخلق الإسلامي؛ من حسن الأدب، وحسن الحديث مع الآخرين، وحسن الاستماع، وحسن الظن بهم، والتماس المعاذير، والرفق، والصبر، والصفح.
وهنا لدينا مستويات: المستوى الأول: ألا يبدأ الإنسان أخاه بشيء من الشر، فإن البادئ أظلم، فكونك تبدؤه بذلك تكون قد استثرته.
والمستوى الثاني: أنه إذا بدئ بشيء من ذلك فعليه ألا يرد، وهذا مستوى راقٍ: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت:35] وقد تجادلت امرأتان من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أكثرت الأولى على الأخرى قامت وردت عليها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (كان هناك ملك موكل يذبُّ عنكِ فلما تكلمت ذهب وترككِ) .
إن الرد والمخاصمة أيها الأحبة! في كثير من الأحيان لا يزيد النار إلا اشتعالاً وخصومة، والقيل والقال ليس سبباً في إزالة الإشكال.