هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع أتباعه

وهذا هدي الرسول صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، {ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من رسول الله صلى الله عليه وسلم} وهو عليه الصلاة والسلام يقول: {تبسمك في وجه أخيك صدقة} ألا تعتقد أن إدخالك السرور على قلب أخيك المسلم بالتبسم في وجهه ومباسطته وملاطفته أنه أمرٌ تؤجر عليه.

أحياناً إذا قابلت إنساناً يكبرك، أو من أقرانك، أو في مثل سنِّك وحالك فهشَّ وبشَّ في وجهك، وابتسم لك، وبين الاهتمام بحالك، سبحان الله! كأن قلبك فتح ووضع فيه حُبُّ هذا الإنسان والعكس بالعكس، لو أتيت إلى إنسان تطلب منه حاجة مهما غلت وعزت فأعطاك هذه الحاجة؛ لكنه أعطاك بشيءٍ من الجفاء والغلظة، ولم يحيك التحية المطلوبة، فإن هذا الذي أعطاك لا يساوي عندك شيئاً، فحسن الخلق، والمعاشرة، والملاطفة للناس، والمباسطة معهم هي من أغلى ما يمكن أن تعطيه.

ولا شك أن هذا باب من أبواب الخير والقدوة في الرسول صلى الله عليه وسلم، وخاصة طالب العلم والداعية الذي يريد أن يدعو الناس إلى الخير؛ لا بد أن يأتيهم من هذا الطريق، ولذلك قال الله لرسوله صلى الله عليه وسلم: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] آية عجيبة قوله: {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] وهم الصحابة رضي الله عنهم عرفوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الواسطة بينهم وبين الله الذي يبلغهم شريعة الله.

أقول: واسطة بهذا المعنى أي أن الوحي يتنزل عليه فيقرؤ عليهم -أما في أمور العبادات فلا واسطة بين الله وبين خلقه- وأنهم ما عرفوا الدين إلا من طريقه، وأن الإيمان به صلى الله عليه وسلم واجب، وحبه كذلك، وعرفوا ما في الجنة من النعيم وما في النار من العذاب والجحيم، ومع هذا كله قال الله عز وجل: {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] وتركوك مع علمهم بما عندك من الحق والدين والشرع الموصل إلى الجنة المنجي من النار، فما بالك بمن ليسوا كذلك.

قد تكون أمام مسلم لا يرى أن عندك ما ليس عنده، ولا يرى أن ما أنت عليه حق وما هو عليه خطأ -مثلاً- حتى ولو كان في معصية أو في منكر، فإذا لم تتسلل إلى قلبه بالطريقة المناسبة، وتتلطف له حتى تستطيع أن تؤثر فيه وتكسبه، ثم تقنعه بما تريد؛ فلا سبيل لك إليه حينئذٍ، خاصة ونحن نعلم اليوم أنه ليس هناك إلا هذا الطريق في الدعوة إلى الله عز وجل، وما في يد الإنسان لا قوة ولا سلطة يُكره الناس على هذه الأمور، إنما الطريقة المناسبة المجربة في إقناع الناس ودعوتهم وتعليمهم وأمرهم ونهيهم في أن تأتيهم بالحسنى.

وقد دخل أحد العلماء على أحد الخلفاء فقسى عليه بالقول واشتد له فقال له هذا الخليفة: أرفق، أنت لست بأفضل من موسى وأنا لست أشر من فرعون وقد قال الله عز وجل لموسى وهارون حينما أرسلهما إلى فرعون: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] الإنسان وما اعتاد، وإنما الحلم بالتحلم، والخير عادة والشر لجاج.

فالإنسان يستطيع أن يُعود نفسه على حسن الخلق، واللطافة، والابتسامة في وجوه الناس، والحلم عليهم حتى يصبح ذلك ديدناً له.

وفقني الله وإياكم لما يحبه ويرضاه، اللهم وفقنا لحب الخير، اللهم وفقنا لليسرى، وجنبنا العسرى، واغفر لنا في الآخرة والأولى.

سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015