التحذير من بعض مداخل الشيطان

ثم إنه يعتاد على مثل هذه الأمور حتى إنه قد يجد في نفسه على من لا يفعلها معه فيجد في نفسه على من لا يقبل رأسه -مثلاً- أو من لم يخدمه، أو من لم يقدمه في المجلس، وهذه -يا إخوة- من أمراض القلوب التي قد تهلك الإنسان وهو لا يشعر، والإنسان فيها لا مطلع عليه، ولا رقيب عليه إلا الله عز وجل.

ولذلك فإن أخطر ميدان من ميادين المجاهدة: هو المجاهدة في القلب؛ لأن الإنسان في الأمور الظاهرة غالباً يحصل عنده إما أن يجاهد نفسه فينجح، أو على الأقل يتصنع ويتكلف هذه الأشياء كما ذكر الحافظ ابن الجوزي في تلبيس إبليس، لكن الأشياء القلبية لا يطلع عليها إلا الله عز وجل.

افترض مثلاً إنساناً يصور نفسه جدلاً أنه في يوم القيامة، وهو في وسط الناس تكشف أسرار قلبه {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [الطارق:9] ويبين للناس حقيقة هذا الإنسان وما قصده بهذا الفعل، وما نيته فيما أراد، وما هو شعوره في الموقف الفلاني، وما الذي أغضبه وأرضاه؛ حينئذٍ يشعر الإنسان فعلاً بمدى ما وقع فيه من خطأ، أو تقصير، أو غفلة عن مجاهدة النفس على إصلاح الأعمال القلبية التي هي أساس الأعمال، والتي أعمال الجوارح ما هي إلا ثمرة لها ونتيجة عنها.

فينتبه الإنسان لهذه المشاعر، هل فعلاً يستوي عندك إن كنت طالب علم أن يقبل الناس رأسك، أو لا يقبل، أو عندك أولاد لا يفعلوا، أما أنك تريد ذلك؟ وحتى لو فرض أنك ترفع رأسك وتتأبى عليهم وقد تفعل ذلك بنية صالحة، وقد يكون لإظهار التواضع والرغبة عن هذه المظاهر، والشيطان حريص ومسلط على بني آدم، فليكن الإنسان رقيباً على نفسه، ولا يُدخِل في معرفته لنفسه غيره، لا تغتر بثناء الناس أو كلامهم أو بمدحهم أو بمعاملتهم لك، بل انظر إلى حقيقة ما أنت فيه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015