قال جابر بن سمرة في الحديث الذي رواه مسلم: {صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاةً أولى، ثم خرجت معه، فلقيه ولدان فجعل يمسح خد كل واحد منهم قال: أما أنا فمسح خديَّ فوجدت ليديه برداً وريحاً حتى كأنما أخرجهما من جبة عطارٍ} وماذا تكون رائحة العطر عند رائحة يدي محمد صلى الله عليه وسلم؟! إنها لا شيء.
وروى عبد الله بن الحارث بن جزءٍ كما في جامع الترمذي بسندٍ صحيح قال: {ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من الرسول صلى الله عليه وسلم} وسُئلت عائشة رضي الله عنها كما في صحيح البخاري كيف يصنع الرسول صلى الله عليه وسلم في بيته؟ قالت: {كان يكون في مَهنة أهله -بفتح الميم يعني في حاجتهم وصناعتهم- فإذا أذن المؤذن توضأ وخرج إلى الصلاة} .
وفي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: {كان لي أخٌ يقال له أبو عمير صبي صغير مفطوم -وهو فطيم في بعض الروايات- فكان له طيرٌ يسمى النغير -مصغراً- فكان يلعب به -ولا شك أنه لا يلعب به لعباً يؤذيه- قال رضي الله عنه: فمات هذا النغير فحزن عليه الصبي حزناً شديداً، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فسأل عنه، فقلنا: مات يا رسول الله، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا الصبي: يا أبا عمير ما فعل النغير} يعني يلاطفه بذلك.
ولو أردتم أن أسوق أحاديث في هذا الباب لطال المقام ويكفيك أن ترجع إلى كتاب من كتب الشمائل، فإن شئت فاقرأ كتاب شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم للترمذي وإن شئت فاقرأ مختصر كتاب الشمائل الذي حققه الشيخ الألباني وحكم على أحاديثه، لترى كيف كانت أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم، وتواضعه، وتبسطه، وبعده عن التكلف، وكثرة تبسمه في وجه أصحابه، وممازحته لهم بما يطيب خواطرهم، ويوسع قلوبهم دون أن يكون في ذلك كذب، أو إثقال على أحد، أو خدش لشعور أحد.
وهذا الأسلوب النبوي والتطبيق العملي هو الخلق والمنهج الذي يجدر بكل مسلم -وأَخُصُّ طلاب العلم- أن يرتووا من هذا النبع الصافي، ويحرصوا على أن تكون حياتهم مع الناس تطبيقاً عملياً لهذا.