كراهية تتبع الرخص

وبالجملة كثر تحذير أهل العلم من تتبع الرخص كثرة شديدة، يقول سليمان التيمي: لو أخذت برخصة كل عالم، اجتمع فيك الشر كله، ويقول ابن عبد البر في تحريم تتبع رخص العلماء: لا أعلم فيه خلافاً بين أهل العلم، وكذلك قال الإمام ابن حزم والباجي وابن الصلاح وغيرهم من العلماء، ونقلوا إجماع العلماء على أنه لا يحل لمسلم أن يكون شأنه تتبع الرخص: قال فلان: هذا يجوز، وقال فلان: هذا مباح، وقال فلان: لا يصل الأمر إلى التحريم، بل أقصى أحواله الكراهة.

قال أهل العلم: تتبع الرخص بهذه الطريقة حرام بإجماع العلماء.

وهذه شهادة من أربعة: ابن عبد البر وابن حزم والباجي وابن الصلاح، وقال الأوزاعي: من أخذ بنوادر العلماء خرج من الإسلام، لأن النوادر والشذوذات لا تنتهي بحال من الأحوال، وهي أصلاً ما اجتمعت في واحد من العلماء، بل تجد العالم بحراً زاخراً من الفضائل، لكن عنده زلة واحدة، فأنت أخذت الزلة هذه، والزلة هذه وجمعت الزلات، وصرت تتعامل بهذه الزلات، وتقول هذه أقوال أهل العلم، أي منهج هذا؟! وأي طريقة هذه؟! يقول الأوزاعي إمام أهل الشام: نحن نجتنب من أقوال أهل العراق خمساً، أي خمس مسائل من مسائل فقهاء العراق لا نقبلها، ونتجنب من أقوال أهل مكة خمساً، وذكر مسائل لا نقبلها من فقه هؤلاء، ولا من فقه هؤلاء حتى أن الإمام أحمد رحمه الله يقول: لو أن رجلاً عمل بقول أهل الكوفة في النبيذ -وأهل الكوفة الحنفية يترخصون في النبيذ- وبقول أهل المدينة في السماع -أي في الغناء فبعض المدنيين يترخصون في الغناء دون أن يكون معه دف أو موسيقى- وبقول أهل مكة في المتعة لكان فاسقاً، يقول: لو عمل بقول أهل الكوفة في النبيذ، وقول أهل المدينة في السماع، وقول أهل مكة في المتعة لكان فاسقاً، مع أنه ما خرج عن أقوال العلماء، ومع ذلك فسقه، أما الأوزاعي فذهب إلى أبعد من ذلك، فيقول: يكفر ولو لم يخرج بعد من أقوال العلماء.

قال الإمام ابن حزم رحمه الله: وهناك قوم بلغت بهم رقة الدين وقلة التقوى إلى طلب ما وافق أهواءهم في قول كل قائل، فهم يأخذون ما كان رخصةً في قول كل عالم، غير طالبين ما أوجبه النص عن الله تعالى أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015