يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: إن الفتوى تتغير بحسب العوائد والأحوال والأزمنة والأمكنة والنيات، وأضرب على ذلك أمثلة، قد يفتي العالم في بلد بشيء ويفتي في بلد آخر بشيء آخر في نفس الموضوع، لأن عادة أهل البلد تختلف، فمثلاً الدينار في بعض البلاد عندهم ثمانية دراهم، وبلد آخر الدنيا عندهم بعشرة دراهم، وفي بلد ثانٍ الدينار إحدى عشر درهماً، فهل الفتوى إذ قال واحد مثلاً: لله عليَّ أن أخرج عشرين ديناراً، في البلد الذي الدينار فيه صرفه بعشرة دراهم وقال: لم أجد دنانيركم أخرج من الدراهم؟ نقول له اضرب عشرين في عشرة فهذه مائتا درهم، لكن لو فُرض أنه جاءنا نفس السؤال في بلد آخر الدينار فيه يصرف باثني عشر درهم، وقال واحد: لله عليّ أن أخرج عشرة دنانير أو عشرين ديناراً، وقال: لم أجد دنانير في الواقع، ولا يوجد في السوق أبداً، وليس عندي إلا دراهم فكم أخرج؟ نقول له: اضرب عشرين في اثني عشر، فشكل الفتوى تغير باعتبار اختلاف مقدار صرف الدينار بين بلد وآخر.
مثال آخر: قضية عبارات الطلاق، في بعض البيئات إذ قال الرجل لامرأته: سامحتكِ، معناه: طلقتكِ، وإذا قالت: سامحني قال: سامحتكِ هذا عندهم يعتبر طلاقاً، مثل ما عندنا هنا في مجتمع نجد مثلاً خاصةً في الماضي، أكثر منه في الحاضر، إذا قالوا فلان: خلىّ زوجته، خلاها معناه طلقها، هناك لو قالت له زوجته: سامحني وقال: سامحتكِ طلقت منه، وعندنا في نجد لو أن امرأة أخطأت على زوجها وقالت له: سامحني وقال: سامحتك، هل نقول: طلقت منه؟ لا.
لكن في ذلك البلد الآخر، الذين لا يعرفون لفظة خلَّى، لو أن رجلاً أمسك بيد زوجته فقالت له: خلني فأطلق يدها، هل نقول أنها طلقت منه؟ لا.
لم تطلق، لأن الفتوى هنا تغيرت بحسب المعروف عند الناس من معنى هذه الكلمة، فهذا نيته كذا وهذا نيته كذا، والأمثلة على ذلك في موضوع الطلاق والعتاق وغيرها شيء كثير.
وفي بعض البيئات مثلاً عندهم اللبن شيء والحليب شيء آخر، وبعض الناس يسمونه حليباً كله، فلو أن واحداً حلف وقال: والله لا أشرب الحليب، هل يجوز له أن يشرب اللبن؟ لا يجوز، لأن اللبن عندهم والحليب كله اسم واحد، لكن في بيئات أخرى اللبن لبن والحليب حليب، فلو حلف ألا يشرب الحليب جاز له أن يشرب اللبن، أو حلف ألا يشرب اللبن جاز له أن يشرب الحليب، هذه بحسب عادات الناس ونياتهم وبحسب ألفاظهم وأوضاعهم.
فمثلاً كان الإمام أبو حنيفة يفتي لو أن واحداً أراد أن يشتري بيتاً فشاهد غرفة واحدة في المنزل ولم يشاهد الباقي، أن هذا يكفي، لأن البيوت في عهد أبي حنيفة كانت غرفها متساوية ومتماثلة، فإذا شاهد واحدة كانت مثالاً للباقيات، لكن الذين بعده من تلاميذه خالفوه في هذه الفتوى، وقالوا: لا يكفي هذا، لأن عادة الناس في البناء تغيرت، وأصبحت الغرف مختلفة غير متساوية في مساحاتها، إذاً تغيرت الفتوى لأنه تغير الشيء الذي بنيت عليه، وذلك يدخل في أبواب عديدة، وعلى أي حال هذا معنى تغير الفتوى.