ضرورة التوازن في شخصية طالب العلم

أيها الإخوة: وقبل أن أدخل في موضوع الوسائل التي يستطيع المسلم والشاب خاصةً، أن يحصل بها على العلم أحب أن أشير إلى قضية على درجةٍ كبيرةٍ من الأهمية، ألا وهي: قضية ضرورة التوازن في شخصية المسلم، فالله سبحانه وتعالى لم يخلقنا من أجل أن نحصل المعلومات ونخزنها في عقولنا فحسب، والإنسان لا يرتفع قدره في الدنيا والآخرة بمجرد أن يكون واعياً، أو راوياً أو حافظاً، وقد قيل لأحد العلماء: إن فلاناً يحفظ كتاب القاموس المحيط في اللغة للـ الفيروز آبادي فلم يكترث ولم يأبه بذلك بل قال: وإذا حفظ فلانٌ كتاب القاموس المحيط في اللغة كان ماذا؟ زاد في نسخ القاموس نسخة!! إذاً: من الخطأ أن يكون همنا اليوم مجرد جمع المعلومات وخزنها وتحصيلها، وإذا كان هم الشاب اليوم مجرد جمع المعلومات، فإنه يُخشى أن يكون هذا لغير الله -نسأل الله السلامة- لأن الشاب يحب أن يفاخر في المجالس بمحفوظاته، أو أن يدل بها على غيره، أو أن يباهي بها العلماء، أو يماري بها السفهاء، أو يصرف بها وجوه الناس إليه، فيكون همه جمع هذه المعلومات، وأنت إذا قرأت في القرآن والسنة وكتب أهل العلم وجدت أن العلم عند السلف يختلف كثيراً عن مفهوم العلم عندنا اليوم، وفى أذهان الكثير منَّا ليس مفهوم العلم في القرآن والسنة، وعند العلماء هو مجرد كثرة المعلومات، والمحفوظات في ذهن الإنسان.

بل العلم في القرآن والسنة، وفي كتب السلف مفهومٌ واسعٌ يشمل تعلم علوم الكتاب والسنة، والتفقه فيها، والعمل بها، والخشوع والدعوة إليها، كل هذه الأشياء داخلةٌ في مفهوم العلم، ولو أردتُ أن أذكر لكم بعض الأمثلة من الآيات والأحاديث وأقاويل الصحابة والتابعين في هذا الباب لطال بنا المقام، ويكفي أن ترجع إلى كتاب من كتب أهل العلم لتجد هذا واضحاً جلياً: اقرأ -مثلاً- المقدمة التي وضعها الإمام الدارمي لكتابه الموسوم بالسنة، واقرأ كتاب جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله للإمام ابن عبد البر، وغيرها من الكتب الكثيرة التي تتحدث عن العلم والتعلم والفقه والتفقه، تجد أن العلم في القرآن والسنة وعند السلف لا يعني مجرد تحصيل المعلومات؛ بل يشمل معنى أوسع من ذلك، ومع الأسف الشديد كثير من الشباب اليوم حين يطلقون كلمة العلم لا يقصدون بها إلا مجرد حقن المعلومات في الأذهان.

يقول الشاب -مثلاً-: أنا لم أحصل من العلم على شيء، فإذا جئت إليه وجدته قد حفظ القرآن، ويقول: لم أحصِّل من العلم شيء، إذاً فما هو العلم إن لم يكن القرآن هو أساس العلم وأصله، وماذا يكون القرآن إن لم يكن علماً، ألم تقرأ قول الله عز وجل عن القرآن: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت:49] .

وكذلك تجد الشاب مقبلاً على العبادة، والخشوع، والصلاة، وقيام الليل، ويقول: لم أحصل على شيء من العلم.

وتجد شاباً ثالثاً يعيش في وسط مجموعة من قرنائه، وأصحابه الفضلاء يتلقى معهم التربية، وفن المعاملة، وأسلوب التخلق بالخلق الكريم، فيقول: لم أحصل على شيءٍ من العلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015