أنت حين تتعلم الحلال والحرام، والحق والباطل ماذا تقصد من وراء ذلك؟! هذا السؤال أرجو أن يوجهه كل فردٍ منكم إلى نفسه، تعلُّم الحلال والحرام، والحق والباطل، والخير والشر، ماذا يقصد من ورائه؟ إن كان يقصد من ورائه العمل والتعليم، من تعلِّمه أن تُعلِّم نفسك وتقبل على العبادة، وعلى الخلق الفاضل والتربية، فهذه ثمرة عظيمة من ثمرات العلم، فيجب ألاّ تشتط بنا النظرات وردود الفعل، فيصبح الإنسان أحياناً ينساق وراء بعض الأشياء دون تأمل، ولا تدبر، فالعلم معنى واسعٌ شامل.
فالتربية من العلم، وتعلم الخلق الفاضل، وتعلم العبادة والخشوع، وتعلم الحلال والحرام، وحفظ القرآن كل ذلك من العلم، والعمل بهذه الأشياء من العلم، والدعوة إليها من العلم.
ولو تأملت أسلوب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في تلقي العلم وتعليمه والعمل به لوجدت أمراً عجباً، يأتي الرجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، أو إلى مكة قبل الهجرة، فيجلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أياماً فيسمع منه الآيات والأحاديث المعدودة ويحفظها ويفهم معناها، ويعمل بها، ثم يرجع إلى قومه منذراً لهم معلماً داعياً، ولا يعني هذا أنه توقف عند هذا الحد، بل يعود مرةً أخرى، وثالثة، ورابعة، ويتزود من العلم، ومنهم من يوقف نفسه على طلب العلم تعلمه وتعليمه، لكن لم يكن في ذهن هؤلاء الصحابة أن العلم شيءٌ والتعليم شيءٌ، والتربية شيء! لا، كل هذه الأشياء كانت عندهم شيئاً واحداً.
ولذلك تحفظون -جميعاً- كلمة أبى عبد الرحمن السلمي رحمه الله التي قال فيها: [[كان الذين يقرئوننا القرآن من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يتجاوزون بنا عشر آيات حتى نتعلم معانيهن، والعمل بهن، فتعلمنا العلم والعمل جميعاً]] .
إذاً: العلم والعمل شيءٌ واحد، والعلم أصلاً ما شرف إلا من أجل العمل، خاصةً العلم العملي الذي يعمل به، وكذلك علوم العقائد شرفت بشرف المعلوم، ولأجل أن يعتقدها الإنسان، أما لو تعلم إنسان هذه العلوم فلم يعتقدها، ولم يؤمن بها، لكانت وبالاً عليه.