أيها الإخوة: والوسائل للتعلم كثيرة: يروى عن الإمام الشافعي رحمه الله أنه كان يقول: أخي لن تنال العلم إلا بستة سأنبيك عن تفصيلها ببيان ثم يذكر هذه الست، ويقول: ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة وصحبة أستاذ وطول زمان وهذه الأشياء الستة ذكرها الإمام أبو هلال العسكري في كتابه الحث على طلب العلم بصيغة أخرى فنسب إلى بعض القدماء، أو بعض الأوائل، أنهم قالوا: لا ينال العلم إلا بستة أمور.
وذكر من هذه الأمور: الذهن الثاقب، وكثرة العمل، وطول الزمان، والأستاذ الحاذق وذكر بقية الستة المتعلقة بالبلغة، وشهوة العلم، هذه الأمور الستة المنقولة عن الإمام الشافعي، وعن الإمام علي بن أبي طالب أيضاً، والتي نسبها الإمام أبو هلال العسكري لبعض الأوائل يمكن أن نقسمها إلى قسمين: أشياء فطرية موهوبة، بمعنى أنها أشياء موجودة في فطرة الإنسان، تُخلق مع الإنسان وهي محض مِنَّةٍ، وهبة إلهية، وإن كان الإنسان قد يستطيع أن ينميها، لكن لا بد أن يوجد أصلها في فطرة الإنسان، وجبلته، وهي الذكاء، وقوة الذاكرة، والحرص، فهذه الأشياء الثلاثة هي في الغالب موهوبة.
والمقصود بالذكاء، أو ما عبر عنه بعض الأوائل بالذهن الثاقب: هو ما يمكن أن نعبر عنه بقوة الاستنباط، وسعة العقل، فإن الإنسان الذي يريد أن يحصل على العلم لابد أن يكون لديه قوة في عقليته، وقدرة على الاستنباط، هذه الأولى.
الثانية: هي ما عُبِّرَ عنها بالذاكرة، ويقصدون بها قوة الحفظ، وقد عبر عنها أبو هلال بكلمة الطبيعة -أي: الشيء الذي يطبع عليه الإنسان- فقوة الذاكرة لابد منها لطالب العلم، والفرق واضحٌ جداً بين قوة الاستنباط، وبين قوة الذاكرة، فقد يستطيع طالب العلم أن يحفظ نصوصاً كثيرة، وأن يستظهرها؛ ولكن ما لم يكن لديه قوة في الاستنباط، والفهم، والعقلية، بحيث يستطيع أن يجمع بين هذه النصوص، ويستخرج منها معنىً كلياً عاماً ويوفق بين مظاهره، وما تعارض منها ويستخرج منها معانٍ دقيقة قد لا يتفطن لها غيره، فإن هذه الأشياء التي حفظها لا تكون كافيةً في تحصيله.
والعكس بالعكس فقد يكون لدى الإنسان قوةً في استنباطه، لكن لا يكون لديه النصوص التي يستطيع أن يستنبط منها ويستخرج منها المعاني والأحكام، ويجمع بينها، ومع أن الذاكرة، أو قوة الحفظ هي محض امتنان، وتفضل من الله عز وجل، إلا أن الإنسان يستطيع أن ينمي ذاكرته.