أولاً: القضاء والقدر.
فإذا نظرنا إلى المصائب التي تنزل بالأمة، نكبات، احتلال البلاد، تدمير، مشاكل تخلف، كل هذا بقضاء الله تعالى وقدره، وربما يذهب بعضنا إلى أن يستدل بالأحاديث الواردة في آخر الزمان، وما ينزل بالمسلمين والفتن وغربة الإسلام وما إلى ذلك.
إن القضاء والقدر لم يمنع الكفار من أن يتقدموا، بعد أن بذلوا الأسباب واستفرغوا الإمكانيات ومشوا في الطريق، لم يمنعهم القضاء والقدر من أن يتقدموا، ويمشوا خطوات، والإنسان هو الذي يصنع واقعه بنفسه، والقضاء والقدر غيب مكتوم لا يعلمه إلا الله عز وجل، فهو سر لا يعلمه الإنسان المتخلف والمتأخر والمقصر، لم يعلم أن هذا قدره حتى نفذه، إنما عمله بنفسه، ثم بعدما وقع ما وقع احتج بالقدر، مثل ذلك تماماً: الاحتجاج بالقضاء والقدر على المعايب وعلى المعاصي، فإذا كان الإنسان عاصي فاسق، هو بنفسه يخطو خطوات إلى الرذيلة، ويمد يده إلى الحرام، ويفتح فمه للقمة الحرام، ويلبس الحرام، ويركب الحرام، ومع ذلك إذا سئل لماذا؟ يقول: قضاء وقدر.
يا سبحان الله! قضاء وقدر! هذا شأن المشركين، كما قال تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:148] وقال: {وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ} [الزخرف:20] وقال أيضاً: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [يس:47] أربعة مواضع في القرآن الكريم، ذكر الله تبارك وتعالى فيها أن الاحتجاج بالقضاء والقدر على المعايب والمعاصي، إنما هو شأن الكفار والمشركين.
أما المؤمن فيعلم أن القضاء والقدر واقع، وأن كل شيء بقضاء وقدر، لكن يجعل المسئولية مسئولية نفسه، كما قال أبونا آدم عليه الصلاة والسلام، عندما وقع في المعصية وأكل من الشجرة، لم يقل -هو ولا حواء- قضاء وقدر بل قال الله عنهم: {قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23] ولذلك يقول بعض أهل العلم: من وقع في معصية فاحتج بالقضاء والقدر، ففيه شبه من إبليس، لأن إبليس لما رفض السجود احتج بالقدر، ومن وقع في المعصية فاستغفر وقال {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} [الأعراف:23] ففيه شبه من أبيه آدم ومن يشابه أباه فما ظلم.
إذاً ليس صحيحاً أن يخطئ الإنسان ويحتج بالقدر، أو يقعد عن العمل ويحتج بالقدر، بل الواقع أن القدر غيب من غيب الله تعالى لا يعلمه إلا الله، والإنسان مطالب بأن يعمل ما ينفعه في عاجله وآجله في دنياه وآخرته، على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعة.