الشيطان

الأمر الثاني الذي نعلق عليه أخطاءنا هو: الشيطان.

والشيطان مسلط على بني آدم لا شك في ذلك، وقد نهانا الله تعالى عن أن نتخذه وليا، وأمرنا أن نعاديه فقال: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً} [فاطر:6] لكن -أيضاً- الشيطان لم يكن ليبلغ فينا ما بلغ؛ لولا أنه وجد عندنا قابلية، أي أن جرثومة الفسق والانحلال والطاعة للشيطان كانت موجودة في نفوسنا، فلما نفث الشيطان وأرسل أشعته المفسدة المضلة؛ وجدت قابلية وامتصاص في قلوبنا، وبالتالي أفرزت وأثمرت انحرافاً وانحلالاً، قال الله عز وجل: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل:100] إذاً الشيطان لم يكن ليحقق فينا ما يريد، لولا أنه وجد عندنا استجابة، ولذلك الشيطان يوم القيامة يقوم خطيباً في أتباعه، قال تعالى: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ} [إبراهيم:22] انظر، الأمور يوم القيامة برحت وانكشفت وبانت، ولم يعد هناك مجال للتلاعب والتحايل واللف والدوران، أصبحت القضية مكشوفة {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ} [إبراهيم:22] .

إذاً الذي يحتج بكيد الشيطان قد أصاب من جانب فالشيطان يكيد، لكنه غفل عن الجانب الآخر؛ وهو أن القابلية لهذا الكيد موجودة عنده تماماً، مثل الجراثيم التي تنتشر -أحياناً- في الهواء، هذا إنسان قد أخذ تطعيم ضد هذا المرض فلا يضره ولا يؤثر فيه، ولكن إنسان آخر جسمه ضعيف هزيل أصلاً، فوجد قابلية وبالتالي فعلت الجراثيم فعلها فيه، وقد تكون أمرضته أو أردته صريعاً ميتاً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015