الأمر السابع: هو أننا نلقي باللوم على العلماء.
فإذا رأينا ما رأينا، قلنا: أهل العلم، أو فلان ابن فلان، وقد يستشهد بعضنا بالحديث الذي رواه أبو نعيم عن ابن عباس: {صنفان من أمتي إذا صلحا صلح الناس، وإذا فسدا فسد الناس: العلماء والأمراء} فالأمر السابع هو العلماء، تجد أننا نحمل المسئولية العلماء، وكلما حصل شيء قالوا: فلان الله يهديه، فلان لم يقم بدوره، وفلان لم يؤد واجبه، وأحياناً نعمم فنقول: إن العلماء لم يقوموا بدورهم ولم يؤدوا واجبهم، ولست أنكر أن العلماء لهم دور أكثر من غيرهم، وهم رواد الأمه وقوادها وزعماؤها، الذين يجب أن تكون الأمة كلها وراءهم، لكن يجب أن نتفطن هنا إلى القضية الخطيرة؛ قضية دورنا نحن كأفراد، العالم لا يقوم بدوره إلا إذا كان وراءه أفراد كثيرون مثلنا، وكما كان يقول الفارس العربي: ولو أن قومي أنطقتني رماحهم نطقت ولكن الرماح أجرتِ لو أن خلفي رجال أقوياء شجعان صناديد؛ لرأيتم كيف تكون بسالتي وشجاعتي ونكايتي في العدو، لكن خلفي أناس أعرف أنهم أول من ينهزم في المعركة، وأول من يهرب، ولذلك تأخرت الرماح فتأخرت أنا، ولو أن قومي أنطقتني رماحهم نطقت ولكن الرماح أجرتِ والمشكلة أن العالم -أحياناً- يكون كقائد بلا جنود، كما ورد في الحديث: {يا ويله من مسعر حرب لو كان معه رجال} أنت لو وضعت هذا الحب في أرض مبلطة هل تنتظر أن يثمر؟! لا، الحب قابل لأن ينبت الشجر، لكن بشروط: أن يوضع في تربة، ويسقى الماء، ويتعهد ويحمى من المؤثرات حتى يثمر، فالعالم بحد ذاته ممكن أن يحدث حركة ونشاط وعلم وأمر ونهي وتغيير، لكن بشرط: توفر وسائل وإمكانيات أخرى، بشرط: أن يكون وراءه أناس يعرفون قدره ويحفظونه، أما أن ننتظر من العالم أن يؤدي دوره، ونحن ممن يساهم في إسقاطه صباح مساء فهذا غير صحيح، كثير منا، خاصة أهل السنة -مع الأسف- أصبحنا من حيث نعي أولا نعي نقلل من أهمية العلماء، فإذا جلسنا قلنا: فلان من العلماء له أرض كذا وله مؤسسة في كذا، وعنده من الأموال كذا وراتبه كذا، وإذا كان ذلك كذلك، هل ما هو حلال لغيره أصبح حراماً عليه هو؟! من حق العالم أن يستغني، وأن يطلب الدنيا والرزق بما أباح الله تعالى له، والرسول صلى الله عليه وسلم نفسه، كما ذكر الله تعالى: {يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ} [الفرقان:7] وهكذا سائر الأنبياء والمرسلين، وكفى العالم فخراً أنه يستغني عن الحرام، ويذهب إلى الحلال المباح الذي أحله الله تبارك وتعالى، ومطلوب منا جميعاً أن نساهم في تحريك اقتصاد الأمة الإسلامية، بأن يكون لكل فرد منا دور.
وإذا لم نجد للعالم شيئاً، وجدنا هذا العالم زاهداً في الدنيا ليس عنده شيء أبداً، أعرف بعض أهل العلم يعيشون في بيوت من الطين، لا يستطيع الواحد منا أن يجلس فيها ساعة أو ساعتين، ركضوا الدنيا بأقدامهم وجعلوها وراء ظهورهم، ومع ذلك ما يسلم منا هذا العالم، فإذا لم نجد عليه عيباً نذهب نبحث ونبحث، ونقول: أولاده غير صالحين ابنه فلان في كذا، وابنه فلان في كذا، يا سبحان الله! هذا إن كان صحيحاً فإنه: أولاً: كما قال تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الزمر:7] وقال: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص:56] .
ثانياً: قد يكون من أسباب ما يقع فيه ولده؛ أن هذا العالم كان مشغولاً بما هو أكبر وأهم، كان يحمل قضية الأمة والمجتمع، فهو يذهب ويأتي آمراً ناهياً داعياً معلماً مرشداً مؤلفاً باحثاً، ولذلك انشغل عن القيام بتربية أولاده، أو قصر في ذلك بسبب انشغاله بما هو أهم، من باب الموازنة بين المصالح والمفاسد.
أحياناً تجد طالب العلم ينال من العالم، فإذا خيل إليه أنه طالب وأصبح يعرف شيئاً من العلم، أصبح لا يجد مانعاً من أن ينال من أهل العلم، فيقول: فلان أخطأ في كذا.
وفلان كذا، وإذا وجد أحداً ينقل فتوى عالم من العلماء قال: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة:31] فنحن جميعاً نساهم في تقليص دور العالم وتأخيره، وبالتالي نقول: لم يؤدِ العالم دوره، العالم يجب أن يقول حينئذٍ: ولو أن قومي أنطقتني رماحهم نطقت ولكن الرماح أجرتِ