أما الرسالة الأخيرة ضمن الرسائل، فهي رسالة دامية جاءتني من مجموعة من الأخوات من اليمن، وبالذات من عدن، ولا أريد أن أذكر المكان الذي جاءت منه، لأنني أخشى عليهن من مزيد من الاضطهاد.
وقد قلن في آخرها: أننا بعثنا هذه الرسالة مع أحد المسافرين هنا إلى السعودية؛ لأننا لا نستطيع أن نرسل بالبريد وأنتم أعلم لماذا؟ وذكرن في الرسالة شيئاً مما يلقاه المسلمون منذ فترة في أيام الشيوعية في عدن، وعلى سبيل المثال، يقولون: إنهم منذ فترة قاموا بحملة تصفية على الدعاة إلى الله تعالى والداعيات، يزجون بهم في السجون، ويعتدون على أعراضهم وحرماتهم، يعذبونهم أشد العذاب، كل ذلك لماذا؟ لأنهم قالوا: ربنا الله ثم استقاموا، لأن لحاهم قد أعفيت، ولأنهم طبقوا السنة شكلاً ومضموناً؛ ولأنهم يعلمون الكتاب ويفسرونه، وحسبهم جناية في نظر هؤلاء.
لقد فعلوا أبشع الجرائم الخلقية مع الشباب الملتزم، منذ خمس سنوات في السجون حتى خرج كثير من الشباب وهم محطمون، وفي أنفسهم هزة عنيفة جداً من جراء ما ذاقوا من ويلات في السجون حتى انتحر منهم ثلاثة بعد خروجهم، وواحد منهم هرب إلى الجزء الآخر من اليمن، وذلك بسبب طعن الفضيلة في أعماق فؤاده، عندما اعتدوا عليه بفعل الفاحشة والعياذ بالله.
تقول: وإنهم سيكررون نفس المأساة، مع العلم أن الشعب اليمني استيقظ على صحوة إسلامية عظيمة، ثلاثة أرباع الشعب يطالبون بالدين والإسلام، ولا يبتغون به بديلاً، والمساجد أصبحت تعج بالدعاة إلى الله تعالى والداعيات، والحجاب الشرعي انتشر كثيراً والحمد لله، والأخوات الداعيات على قدم وساق في الدعوة إلى الله في كل مكان.
وإننا نرى الآن بشائر الحملة الجديدة في هذه السنة، تلوح لنا بيدها على الفتيات الداعيات خاصة، والشاب الملتزم عامة.
لقد جند لنا اثنا عشر ألف جاسوس وجاسوسة، يندسون بين صفوفنا في كل مكان، وإن هذا العدد الهائل ليس إلا في جزء من المدينة فحسب، والله يعلم كم في المناطق الأخرى، ولكن تركز الصحوة في هذه المنطقة بشكل كبير وملفت للنظر بين النساء المؤمنات.
إلى أن تقول في ضمن رسالتها -وأقتصر على هذا القدر، وهي رسالة في الواقع مهمة، ومؤثرة- تقول: إننا يا أصحاب الفضيلة نهدد في أعراضنا، نهدد في أهلينا، نهدد في ذوينا، وحسبنا الله ونعم الوكيل، إذا كان ما يريدونه منا هو الموت فالأمر هين ومرحباً بالموت، فالموت في سبيل الله من أمانينا.
هذه امرأة تقول هذا الكلام فأين الرجال؟ وإن شعارنا الآن وفي هذه الأيام الحرجة بعنا واشترينا، بعنا أرواحنا لله واشترينا الجنة لا نقيل ولا نستقيل، ولكن الذي نخشى على أعراضنا من رجال أنجاس لا يخافون الله ولا يخشونه، نخشى أن نلحق عاراً بأهلينا إلى يوم الدين، ولكننا عندما أيقنا أنه سيلقى القبض علينا شئنا أم أبينا، فقد سجلوا أسماءنا في قوائمهم السوداء، قررنا أن نكثف المحاضرات والدروس والندوات في التزهيد في هذه الدنيا، والصبر على البلاء، والعيش عيش الغرباء، والجهاد والثبات حتى الممات، إلى أن يحين موعد الحملة فإننا جاهزون، إلى آخر ما قالت.
تقول: إننا الآن نحمل الأكفان، نستعد للموت، الذي نراه يرقص في كل وقت أمام ناظرينا: فإما إلى النصر فوق الأنام وإما إلى الله في الخالدين ولكن هل ستستمر مآسينا أيها المسلمون؟ إلى متى ونحن نتجرع كأس الذل؟ أين أنتم يا دعاة الله؟ أين أنتم يا جند الإسلام؟ أين أنتم لترفعوا عنا الذل والمهانة والعبودية؟ دماؤكم في كل أرض تراق، أخواتكم وإخوانكم يجأرون إلى الله بالدعاء والأنين والألم!! يحتسبون الله في أعراضهم وأنفسهم!! أرضيتم بالعار يلطخ وجوههم، إن لم أقل يا مسلمون فأقول يا عرب!! هل ستظل صرخاتنا تدوي في جنبات هذا الكون، بلا سامع ولا مجيب إلا الصدى؟!! رب وامعتصماه انطلقت ملء أفواه الصبايا اليتم لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم أين علماء الحق الذين يخلصوننا من عملاء البعث والشيوعية؟ أين من ينادي بالجهاد الذي تقام فيه معارك النصر والبطولة والشرف.
كيف -بالله عليكم- تصوروا أن ثلاثة أرباع الشعب أو أكثره ينادي بالدين، يباد أو يسحق أو يخنق صوته فلا يستطيع البوح بشيء، وهو بين أمرين كلاهما مر؟! أليست هذه هي الذلة والمهانة والجراح التي مرغت في التراب؟ الخ ما ذكرت في رسالتها القيمة.
وعلى كل حال أقول: إن نصر الله آت فاصبروا، والله تعالى أعطانا في القرآن الكريم قاعدة لا تتأخر {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً} [الأنعام:129] .
فالله تعالى يولي الظالمين بعضهم على بعض، ومفهوم المخالفة لهذه الآية: أن الله تعالى يولي بعض الصالحين بعضاً -أيضاً- فإذا كان الشعب صالحاً، فلا بد أن يقيض الله له حكاماً صالحين.
هذه سنة إلهية، نعم بجهد الناس واجتهادهم وبعملهم وبمثابرتهم؛ لكن الله تعالى لا يظلم أحداً، سلط فرعون على قوم طغاة لأنه استخفهم فأطاعوه، ولما كان الناس في مثل أحوال عمر، وعثمان، وعلي، قيض لهم أبا بكر، ولما اختلف الناس اختلف حكامها.
وكل قوم يسلط الله عليهم ويسخر بحسبهم وبمقدارهم، فلا ينبغي أن نتصور أبداً، أن هذا الأمر الذي يعيشه المسلمون ليل دامس وظلام دائم لا يزول، فإن هذا يأس لا يليق بالمسلم، بل ينبغي أن يكون المسلم دائماً وأبداً يملك قلباً ممتلئاً بالثقة بوعد الله، والأمل بنصره، والإيمان بأن النصر قادم لهذا الدين، ويردد مع الشاعر قوله: أحبائي إن النصر لا بد قادم وإني بنصر الله أول واثق سنصدع هذا الليل يوماً ونلتقي مع الفجر يمحو كل داج وغاسق ونمضي على الأيام عزماً مسدداً ونبلغ ما نرجوه رغم العوائق فيعلو بنا حق علونا بفضله على باطل رغم الظواهر زاهق ونصنع بالإسلام دنياً كريمة وننشر دين الله في كل شارع