ثانياً: إن رمضان فرصة للإقبال على إصلاح الباطن وتطهير القلوب، فنحن نعلم جميعاً أن الصوم لم يشرع من أجل الجوع والعطش، وأن الصلاة لم تشرع من أجل السهر والتعب، وكذلك العمرة التي يؤديها الناس في رمضان وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ أم العلاء الأنصارية: {إذا كان في رمضان فاعتمري، فإن عمرة في رمضان تعدل حجة} وفي رواية: {حجة معي} .
فهذه العمرة لم تشرع لضياع المال والجهد وتعب السفر ولأوائه! كلا.
ولكن ذلك كله شرع حتى يكون قلب الإنسان سليماً، لينجو يوم القيامة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
ولذلك فالعبرة بثمرة العمل ونتيجته، ورب ركعتين يركعهما الإنسان بإخلاص، وصدق مع الله عز وجل لا رياء فيها ولا سمعة يكتب الله بها نجاة العبد، ورب عمل طويل كثير، عمله الإنسان رياءً أو سمعة أو ما أشبه ذلك، يكب الله صاحبه على وجهه في النار.
قال الله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون:4-7] .
ما معنى -مثلاً- أن تجد من المسلمين من يصوم وهو لا يصلي، حتى لا يصلي الصلوات الخمس ولا في بيته، وما معنى أن يصوم الإنسان في النهار عن الطعام والشراب، وأن يفطر في الليل على ما حرم الله، فتجدهم يسكرون، وربما يجتمعون على لهو ولعب وباطل من القول والفعل والنظر والسماع.
وما معنى أن يصوم الإنسان عن الطعام والشراب، ويفطر على أعراض المسلمين، فيأتي وقد نهش هذا وطعن هذا، وشتم هذا، وتكلم في هذا واتهم هذا، وقال في هذا بغير حق، وهذا هو المفلس كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، كما في صحيح مسلم: {أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا يا رسول الله من لا درهم له ولا متاع، قال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصوم وحج ويأتي وقد شتم هذا، وضرب هذا، وأخذ مال هذا وسفك دم هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ثم طرح في النار} .