رمضان فرصة لوحدة المسلمين

أولاً: فرصة للوحدة الصادقة بين المسلمين المتبعين للرسول صلى الله عليه وسلم، الملتزمين بمنهج الكتاب والسنة، إذ أنه يوحد بينهم في الصيام والفطر والصلاة، وغير ذلك من الأعمال.

فهل يعي المسلمون ذلك؟ وقد تشتت بهم السبل، وتفرقت بهم الأهواء، واختلفت قلوبهم فصاروا هكذا كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، أهواء شتى، وقلوب متفرقة، وآراء مختلفة، هذا بين من يلتزمون بالمنهج الصحيح، دعك من أهل البدع فلنا معهم حديث آخر، دعك من الضالين والمنحرفين، لكننا نوجه هذا الحديث إلى المسلمين المتبعين للرسول صلى الله عليه وسلم.

إن الله تعالى إذا حرم قوماً بركة العمل سلط عليهم الجدل، ولهذا جاء في الحديث المروي: {ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل} فأنت تجد الفرص والمناسبات، التي إنما شرعت وأحدثت لتعميق الوحدة بين المسلمين الصادقين، وتأليف قلوبهم، وإزالة الوحشة والشحناء والبغضاء من نفوسهم، وتصفية ضمائرهم، تجد أنها في كثير من الأحيان تحولت عندهم إلى نوع من الجدل، الذي لا يزيد القلوب إلا تفرقاً، ولا يزيد الخلاف إلا اشتعالاً، فإذا قدم رمضان وجدت جدلاً عظيماً بين المسلمين في كل مسجد في أمور كثيرة، في صلاة التراويح، وكم تصلى؟! ثم في زكاة الحلي للنساء، وهل فيها زكاة أو ليس فيها زكاة؟ ثم في إثبات دخول الشهر وكيف يتم إثبات دخوله بالرؤية أم بالحساب؟ وهل يصوم المسلمون كلهم جميعاً؟ أم كل بلد له رؤيته الخاصة؟ إلى غير ذلك من المسائل والأمور! ونحن لا نعترض أبداً -وأقولها بوضوح؛ لئلا يفهم الكلام خطأ- على البحث العلمي الجاد في كل هذه المسائل.

فإنه لا يملك أحد أن يحجر على قلوب الناس، وألسنتهم، وعقولهم، ودراساتهم، كلا.

وما زال العلماء يبحثون في مثل هذه الأمور وفي غيرها منذ القديم، ولكنها لم تكن يوماً من الأيام مجالاً للاختلاف والتطاحن، وللقيل والقال، وللتخطئة على رءوس الأشهاد، وإيجاد أشياء كثيرة في نفوس العامة.

فإنهم لا يدرون ماذا يأخذون وماذا يدعون، أرأيت -مثلاً- في كل مسجد من المساجد يدور جدل كم نصلي التراويح؟ فيقول قوم نصليها خمساً، ويقول آخر نصليها عشراً، ويقول آخر: غير ذلك، ويحدث اختلاف، حتى إن بعضهم يترك المسجد ولا يصلي ويذهب إلى غيره ليصلي، إلى غير ذلك من الأمور! وأجزم أيها الأحبة، أن اجتماع المسلمين في مسجد من المساجد على صلاة التراويح -مثلاً- على الصورة المفضولة أولى من اختلافهم وتناحرهم، وكثرة القيل والقال، وارتفاع الأصوات في المساجد واللغط وغير ذلك، وأشد من ذلك كله اختلاف القلوب، ووجود البغضاء والشحناء على أمور لا يدعو الأمر إليها.

فقد اختلف الصحابة في هذا الأمر، واختلف التابعون فيه، وتجادلوا فيه بالحسنى، ولم ينقل أن أحداً منهم ضلل أو فسق أو بدع لأجل ذلك، ولا هجر أحداً لأجل ذلك، ولا ترك الصلاة خلفه لأجل ذلك، ولا أن هذا الأمر أدى إلى اختلاف في القلوب وتناحر وتطاحن.

فمتى يعي المسلمون ذلك؟ وتتحول هذه المناسبات إلى مجال لتقريب القلوب وتصفيتها! فإن من أعظم ما يعبد الله تعالى به صفاء القلوب على المسلمين.

والحديث الذي رواه أحمد والطبراني وغيرهم، وسنده حسن، في قصة عبد الله بن عمرو بن العاص معروف مشهور، وفيه {أن الرسول صلى الله عليه وسلم بشر رجلاً من الأنصار بالجنة، فلم يجد عبد الله بن عمرو بن العاص من عمل هذا الرجل، كبير صوم ولا صلاة، إلا أنه يبيت، وليس في قلبه غل على مسلم على فضل أعطاه الله تعالى إياه} .

فلنعبد الله تعالى بالقلوب النظيفة، والنفوس السليمة، التي لا تحمل لمسلم صادق غلاً، ولا غشاً، ولا حقداً، ولا حسداً، ولا كراهية، ولا بغضاء، وما أعز مثل هذا في نفوس الناس.

قد يلتبس هذا الأمر أحياناً بصورة الغيرة على الدين، أو بصورة الغضب لمسألة علمية، أو بصورة الغيرة على الوحدة الإسلامية، أو بصورة البحث عن المصلحة، يلبس أزياء شتى ولكن حقيقته واحدة.

فإذا جاء الحج، الذي هو فرصة لوحدة المسلمين الصادقين، الملتزمين بمنهج الكتاب والسنة، تراهم يقفون في صعيد واحد، ويفيضون في وقت واحد، إلى غير ذلك من الأعمال، ويجتمعون في مكان واحد، ليتدارسوا أمورهم، وجدت أن كثيراً من المسلمين يأتيهم الداء مرة أخرى فيشتغلون بجدل عظيم حول أمور كثيرة، وآخر ما يشغلهم هو ما شرع الحج لأجله! وأعظم ذلك هو تعميق وحدانية الله تعالى في القلوب.

والذي يقرأ سورة الحج -مثلاً- يعرف أن من أعظم أهداف مشروعية الحج؛ تحقيق التوحيد في قلوب العباد.

قال تعالى: {حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج:31] وقد أخذنا شعائر الحج عن نبينا صلى الله عليه وسلم، وكانت كثير من هذه الشعائر يعمل بها أبونا إبراهيم عليه الصلاة والسلام وهو سيد الحنفاء والموحدين، فليتفطن لذلك، ولنعمل جميعاً على أن نجعل من مثل هذه المناسبات فرصة لتحقيق الوحدة بين المسلمين الصادقين، بين الملتزمين بمنهج الكتاب والسنة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015