ويعجبني أن أستشهد لهذا العطاء بنموذج أو مثال قد يكون بعيداً بعض الشيء عما نتحدث عنه الآن، وهو ما رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه، في قصة سليمان عليه الصلاة والسلام، يقول أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن سليمان قال: لأطوفن الليلة على سبعين امرأة من نسائي تلد كل امرأة منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله} هو نبي الله، ومع ذلك فهو بشر؛ لأن الله تعالى يبعث الرسل بشراً من الناس، فالطبيعة البشرية موجودة فيه، والميل إلى المرأة موجود فيه، وهو يستمتع بذلك، لا أقول كما يستمتع غيره، بل أكثر، لأن الله تعالى يعطي الأنبياء من القوة -حتى في أجسادهم- ما لا يعطي غيرهم، وقد أعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم قوة ثلاثين أو أربعين رجلاً في الأكل والشرب والجماع، كما في حديث أنس: {كنا نحدث أنه أعطى قوة ثلاثين} وفي بعض الروايات والآثار أربعين وفي روايات أيضاً: {أربعين أو ثلاثين من أهل الجنة} .
المهم أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عندهم من القوة ما ليس عند غيرهم، فهم يستمتعون بما أحل الله لهم من الطيبات، ومع ذلك انظر ماذا كانت مشاعر سليمان عليه الصلاة والسلام {تلد كل امرأة منهم غلاماً يقاتل في سبيل الله} فكان هذا أمل {ولم يقل: إن شاء الله، فقال له الملك: قل: إن شاء الله.
فنسي أن يقولها فلم تلد منهن إلا امرأة جاءت بشق غلام، قال الله عز وجل: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ} [ص:34] } .
قال بعض المفسرين: هذا لأنه لم يقل (إن شاء الله) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {والذي نفسي بيده، لو قال: إن شاء الله لم يحنث، وكان دركاً لحاجته} أي: أدرك ما أراد وولدت {لو قال إن شاء الله، ولدت كل واحدة منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله} .
إذاً هو لم يكن يقصد من هؤلاء الغلمان أن يتكثر بهم من قلة، ولا أن يستعز بهم من ذلة، ولا أن يبطش بهم، إنما كان يقصد من وراء ذلك أن يظل هؤلاء مجاهدين في سبيل الله، يرفعون راية الإسلام، ويخوضون المعارك، أو يقتلون شهداء.
وفي مقابل ذلك، هذا العمل نفسه قد يفعله الإنسان على مدار التاريخ، هولاكو أو جنكيز خان، وغيرهم من الأباطرة والأكاسرة والقياصرة، لا أقول: إنه يهدف إلى غلمان يجاهدون في سبيل الله، بل يهدف إلى غلمان يناوئون الإسلام، وإلى من يهدمون دولة الإسلام، وإلى من يقاومون زحوف المجاهدين في سبيل الله عز وجل، العمل واحد لكن النيات شتى.