الحزن لقضايا المسلمين

لقد عزّى الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم، وسلاه عما يلقى من أذى المشركين، ونهاه عن أن يحزن قال تعالى: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً} [الكهف:6] وفي مواضع كثيرة يقول الله عز وجل {وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُون} [النمل:70] لماذا؟ لأن قلب الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحزن حين يرى إعراض المعرضين، وتكذيب المكذبين، ويرتبط بقضية القبول بهذا الدين أو الرفض له، فنهاه الله تعالى عن ذلك.

وليس المقصود النهي عن ذات الحزن، فالحزن أمر فطري، ولكن المقصود النهي عن الحزن الذي يقعد الإنسان عن العمل أو يضر به، وإلا فنحن نعلم جميعاً قصة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، التي رواها البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عائشة قالت: {يا رسول الله! هل أتى عليك يوم هو أشد من يوم أحد؟ قال: لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل ابن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت} وهذا في الطائف، سخروا منه عليه السلام واستهزءوا به، قال أحدهم: أليس في الدنيا رجل أحسن منك يرسله الله سبحانه وتعالى؟ وقال آخر: أنا أمزق ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك ورد عليه الثالث رداً خبيثاً.

فحزن لذلك الرسول صلى الله عليه وسلم وقام من عندهم قال: {فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب} انظروا إلى المسافة بين الطائف وقرن الثعالب، مسافة كيلو مترات قطعها النبي صلى الله عليه وسلم وهو مهمومٌ غير مستفيق، لم يدر بمسيره ذاك ولا باتجاهه إلا وهو بقرن الثعالب، مع أنه صاحب القلب الكبير، وصاحب القوة، وصاحب الجلد، وصاحب الصبر المؤيد بالوحي من السماء صلى الله عليه وسلم، لكن مشاعره تكيفت مع هذا الدين، فرحاً وغضباً ورضاً وسروراً وغير ذلك، فالمنهي عنه أن يكون هناك حزن يمنع الإنسان من الدعوة، أو يقعده عنها، أو يستبد به، أما كون الإنسان يحزن إذا رُدَّت دعوته، فهذا أمرٌ فطري لا يملك الإنسان دفعه، ولا يكلف الإنسان أن يدفعه عن نفسه شرعاً.

نحن نحتاج إلى الأرق، والقلق، ونحتاج إلى التأوهات والتوتر، والتنهدات والأحزان، وهذه وإن كانت أشياء سلبية إلا أنها هي البداية الضرورية التي لابد منها، نحتاج إلى أن يترفع المسلم عن أن يكون همه محصوراً في فوز الفريق الرياضي، أو فشل فريق آخر، أو اعتزال فنانٍ أو لاعب، أو ارتفاع سعر الشعير أو انخفاضه مثلاً، بل ينبغي أن ترتقي هموم المسلم عن أن تكون مثل هذه الهموم الصغيرة التي إنما يشتغل بها من لا هم له.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015