وإزاء هذا الاختلاف الكبير الذي نتفق جميعاً على أنه عاصف بالمجتمعات الإسلامية اليوم، وإنني لا أتحدث الآن عن مجموعة ضخمة وهائلة من الدول العربية والإسلامية، ولا أتحدث عن داخل الدولة الواحدة مثلاً، بل ولا عن داخل الإقليم أو داخل القبيلة، بل الواقع أنك كلما دخلت إلى دائرة أضيق وجدت مجموعة من الخلافات، حتى تصل إلى مدينة أو ربما قرية، فتجد في هذه القرية عدداً من التقاطعات هناك تقاطعات بين الأحياء هذا الحي وذاك الحي هناك تقاطعات بين الانتسابات، بين من ينتسبون إلى هذه القبيلة أو تلك، أو بين من ينتسبون إلى قبيلة ومن لا ينتسبون إلى قبيلة أصلاً، إضافة إلى الاختلاف بسبب المصالح الدنيوية.
إذاً: العالم الإسلامي اليوم يضج بألوان من الاختلافات التي تحتاج إلى نوع من العلاج، فإزاء هذا الاختلاف الكبير، نجد أن من الصدق مع النفس القول بأن هذا الاختلاف يستنزف المجهودات الإسلامية، بينما عدونا استطاع أن يستوعب الخلاف، فأحزاب اليمين واليسار التي نجدها الآن فيما يسمى بدولة إسرائيل، كيف استطاعوا أن يستفيدوا حتى ممن يعتبرون متطرفين بمعاييرهم الأحزاب الليكودية والأحزاب اليمينية المتطرفة، كيف دخلت إلى عالمهم وإلى موضع القرار والمشاركة، وأصبح لها دور كبير، ولها جهود ولها شعبية، إضافة إلى اليساريين، إضافة إلى ألوانهم وأصنافهم: السفرديم، والأشكلاز، اليهود العرب، واليهود الأوربيون وغيرهم، كلهم يشاركون في صناعة وصياغة وبناء هذا المجتمع اليهودي؛ لأنهم يشعرون بالخطر، وأنهم جزيرة في بحر عربي إسلامي، يرفضها ويلفظها ولا يتقبلها، ولا يتواكب أو يتطبع معها.
إذاً: عدونا استطاع أن يستوعب الخلاف، وهذا نموذج، وكذلك نجد مثل هذا في الدول الغربية أوروبا -مثلاً- استطاعت أن تصنع أو تؤسس لوحدتها، مع أن كل دولة منها ربما كانت تعد قارة بأكملها، أو إمبراطورية كفرنسا مثلاً أو ألمانيا أو بريطانيا، ومع ذلك فهم يسعون في تحقيق ما يسمى بالوحدة الأوروبية، ونجحوا فيما يتعلق بالحدود، وفيما يتعلق بالجمارك، وفيما يتعلق بالعملة، ولديهم خطط قوية جداً في هذا.
أيضاً: عندما تنظر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، هي عبارة عن خمسين دولة، خمسين ولاية انضم بعضها إلى بعض فتكون هذا الكيان الهائل القوي الضخم، هذه الإمبراطورية أصبحت تمارس نوعاً من التسلط والبغي والنفوذ كما هو واضح.