الأدب الأول: حسن المقصد، وليس المقصد في الحوار العلو في الأرض ولا الفساد ولا الانتصار للنفس، ولكن المقصود -كما سبق- الوصول إلى الحق، أو الدعوة إلى الله عز وجل، فيعلم الله تعالى من قلب المحاور أنه لا يهدف إلا إلى ذلك، فلا يهدف إلى الانتصار، ولا إلى أن يتحدث في المجالس أنه أفحم خصمه بالحجة، فيحتمل أن يكون الخطأ عندك والصواب عند غيرك، فالله تعالى لم يحابك ويختصك دون بقية خلقه بالعلم والفهم والإدراك والعقل: جاء شقيقٌ عارضاً رمحه إن بني عمك فيهم رماح فإذا كان عندك حق فعند غيرك حق، وقد يكون عندك حق كثير وعنده حق قليل، وقد يكون العكس، فيكون الإنسان طالباً للحق حسن النية، وليس هدف المحاور وهو يسمع كلام خصمه أنه متى يسكت حتى يرد عليه، بل عليه أن يكون هدفه الحقيقة والوصول إليها، ولهذا كان الإمام الشافعي رضي الله عنه يقول: ما ناظرت أحداً إلا وددت أن الله تعالى أجرى الحق على لسانه، وهذه هي أخلاق أتباع الأنبياء: ما ناظرت أحداً إلا وددت أن الله تعالى أجرى الحق على لسانه، وبعد ذلك أنصرف.
وأقول: سلَّمتُ ووافقت ولا داعي للحوار والمناقشة، وما قلته هو الصحيح وأنا أُسلِّمُ لك وأبصم على ما ذكرت.
وهذا هو الإخلاص، وهذا هو التجرد، وليست القضية أكثر من هذا.